في معرض ساخر عن تكنولوجيا المستقبل حمل عنوان «عالم ما بعد الكارثة».. تم وضع نصب تذكاري كُتبت تحته عبارة: «آسف لقتل معظم البشر». 
هذا النصب أقامته الروبوتات بعد أن قتلت أغلب سكان العالم. على الرغم من الخيال الذي تحمله الفكرة، فإن بعض العلماء اليوم يرون المسافة بين الخيال والحقيقة تضيق يوماً بعد يوم، وأن احتمالات النهاية المأساوية للكوكب بسبب الذكاء الاصطناعي، قد يدفع العالم إلى ما هو أخطر من حرب نووية. تبدأ القصة في عام 1989، ذلك العام الذي تغيّر فيه مسار العالم بشكل كبير، ليس بسبب الإعصار الجيوسياسي الذي شهده العالم، بسقوط سور برلين ووحدة ألمانيا، أو خروج أوروبا الشرقية عبْر ربيعها السياسي من السطوة السوفييتية، ولا حتى بأن ذلك العام كان البداية الحقيقية لانهيار الاتحاد السوفييتي نفسه بعد عامين.. بل كان ذلك العام هو الذي غيّر مسار العالم لسبب آخر هو اختراع الانترنت. 
في عام 1989 قدم فيزيائي شاب يدعى «تيم بيرنرز لي» والذي يعمل في مختبر «سيرن» البحثي الشهير في سويسرا مقترحاً أصبح لاحقاً هو مستقبل العالم. كان «لي» مستاءً من تضارب المعلومات وصعوبة تبادلها في الحقل العلمي، فقدم ورقةً إلى رئيسه في العمل يقترح العمل على إنشاء شبكة عبر الكمبيوتر لتبادل المعلومات، وكان أن كتب رئيسه عليها: «فكرة غامضة لكنها مثيرة». 
كان ذلك هو التأسيس لشبكة الانترنت في العالم، وكان «لي» قد بدأ الطريق الطويل في ذلك العام وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، واليوم يعمل أستاذاً في معهد ماساتشوستس (MIT) بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن عمل أستاذاً في جامعة إكسفورد لعدة سنوات، ولا يزال رئيساً لاتحاد شركات الويب العالمية. 
في عام 1993 خرجت شبكة الويب العالمية (WWW) للعلن، وبدأ انتشار الإنترنت، ثم بدأ التغيير الجذري لطبيعة الحياة الإنسانية. 
بعد (30) عاماً من انطلاق شبكة الويب العالمية عام 1993 ينطلق العالم الآن إلى المرحلة الثانية من تاريخ الإنترنت، وهي المرحلة الأكثر خطراً وقلقاً.. إنها حقبة الذكاء الاصطناعي وعصر الـ«جي بي تي». 
يمكن القول إن الجهود العلمية التي بذلها الباحث البريطاني «جيفري هينتون» هي المكملة لجهود «لي».. فإذا كان «لي» هو المؤسس لعصر الإنترنت، فإن «هينتون» هو المؤسس لعصر الذكاء الاصطناعي، وتلقبّه الصحف الغربية بـ«الأب الروحي للذكاء الاصطناعي». 

في عام 2013 عمل البروفيسور هينتون في شركة مايكروسوفت، وفي عام 2018 حصل على جائزة تورينج، التي تلقب في الصحافة بـ«نوبل الكمبيوتر»، وفي عام 2023 استقال هينتون من «جوجل» وتحدث إلى صحيفة «نيويورك تايمز» محذراً من خطر الذكاء الاصطناعي على العالم. قال هينتون: الشركات تتسابق نحو خطر كارثي، والعالم يتجه إلى مستقبل للروبوتات لا يمكن السيطرة عليه.. سيكون «جي بي تي» مصدراً للتضليل، وسيلغي الذكاء الاصطناعي الوظائف، وسيكون الجنود الآليون خطراً على الإنسان.. ثم مضى يقول: «إنني نادم على مشاركتي في أبحاث الذكاء الاصطناعي». صيحة هينتون يجب أن تكون جرس إنذار لوقف السباق غير المنضبط، فالربح الآن قد يكون خسارة كبرى في المستقبل، والتقدم الآن قد يعادل النهاية في المستقبل.
*كاتب مصري