قبل مائة عام كانت الحرب العالمية الأولى قد وسمت القرنَ العشرين بسمة الصراعات الكبرى التي استمرت عقوداً طويلة، وقد زاد عدد ضحاياها على 17 مليون إنسان ونحو 20 مليون من الجرحى، وعلى الرغم من قسوتها الفاجعة عاد العالم إلى ساحات التقاتل خلال الحرب العالمية الثانية التي تضاعف فيها عدد الضحايا وقدر بسبعين مليون قتيل، أكثر من نصفهم مدنيون، فضلاً عن ملايين الجرحى، وهي أعنف حرب في التاريخ الإنساني، ولأول مرة استخدمت فيها الولايات المتحدة القنابل النووية ضد مدينتين يابانيتين. وقد انطفأ لهيب هذه الحرب لكن الجمر بقي مستعراً تحت الرماد وسمي «الحرب الباردة». ومع مطالع القرن الراهن، بدأ الجمر يتقد وظهر لهيبه الحارق في الحرب الراهنة بين روسيا وأوكرانيا، وبات التهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل أشد خطورةً، وذلك نظراً لتطور هذه الأسلحة المدمرة ولتضخم النادي النووي العالمي وللزيادة المثيرة في حجم الإنفاق الدولي على التسلح والمقدر في عام 2020 بأكثر من 2000 مليار دولار في زمن الجوع والفقر المدقع عند كثير من الشعوب، وفي زمن انتشار فيروس كورونا الذي زاد عدد ضحاياه عام 2021 وحدها كما تقول الإحصائيات على خمسة ملايين ضحية. 
وعلى الصعيد العربي كان أهم المتغيرات في مطلع القرن العشرين انهيار الدولة العثمانية، مما جعل الدول العربية تبحث عن حضور وطني، لكنها سرعان ما تعرضت للانتداب أو للاستعمار المباشر، ثم تمكنت من الحصول على الاستقلال الوطني، ولم تنجح محاولات تجمعات دول عدم الانحياز في الفكاك من مبدأ الأقوياء في العالم (إما معي أو ضدي). ومع انهيار الاتحاد السوفييتي برز النظام الدولي الجديد بسياسة القطب الأوحد، وأعلن فوكوياما باسم «المحافظين الجدد» عن الانتصار الحاسم للرأسمالية، ولم يكن المحافظون يقدرون جيداً أن التاريخ لا يقبل انتصارات حاسمة، لأنه مسار مليء بالتغيرات والمفاجئات، ووقع العرب في حيرة أمام الخيارات، لا سيما في عهدي ترامب وبايدن.
وظهر التنين الصيني منافساً دولياً ضخماً في عالم الاقتصاد، وبدأ الدب الروسي الجريح يستعيد قدرتَه على النهوض، بينما فَتَرت همَّةُ المارد الأميركي، وظهرت علامات التراخي والتخلي عن كرسي القيادة الدولية بعد مراجعة الهيجان الأميركي العسكري في عهدي الرئيسين بوش الأب وبوش الابن، ولسوء الحظ اتُّهِم العرب والمسلمون في مطلع القرن الجديد بجريمة 11 سبتمبر، وانطلقت حربان ساحقتان ضد كل من أفغانستان والعراق، وكانت المحنة العربية الكبرى قد بدأت في الحرب العراقية الإيرانية، ودخلت المنطقةُ بعدها في مستنقع صراعات فاجعة.
كانت القضية الفلسطينية هي الشغل الشاغل للعرب، لكن الصراعات المستجدة قفزت إلى ذروة الاهتمام، خاصةً مع تنامي دور الدول الإقليمية في المنطقة، ومع انفجار الاحتجاجات الشعبية في العديد من الدول العربية التي ما تزال النيران مستعرة في بعضها، وآخر ذلك ما يحدث في السودان الآن. كان لا بد من دور عربي رشيد للبحث عن مخارج لهذه الأزمات والحرائق، وكثُرت الاجتهادات، لكنها جميعاً لم تفد كثيراً. وكان على العرب أن يخرجوا من دوائر الحصار، وأن يقاوموا الانهيار، دون أن يهملوا قضايا الشعوب العربية التي تعرضت للفواجع والمآسي المريعة، وأخطرها اليوم قضية اللاجئين السوريين الذين يتعرضون للإذلال في بعض دول اللجوء، وقضية الانهيار الاقتصادي.. ولن تُعالَج هذه القضايا وسواها من ملفات ملحة، إلا بحل سياسي عادل وفق قواعد تمنح الأمانَ والاستقرار.

*وزير الثقافة السوري السابق