قبل بضعة أيام، قدم جوفري هينتون، الرجل الذي يعد بمثابة الأب الروحي للذكاء الاصطناعي، استقالته من شركة جوجل، محذراً ومنذراً من التطور التقني الخطير الذي يحدث في هذا المجال، وأكثر من ذلك أعلن «هينتون» على الملأ، ندمه على مشاركته في هذا المجال الذي بات يمثل كارثة على البشرية. في حديث «هينتون» نفسه للإذاعة البريطانية، يعتقد أن روبوتات الدردشة الذكية، باتت مخاطرها مخيفة للغاية، وأنها عما قريب ستضحى أكثر ذكاء من مستخدميها.

حين ينفخ الرجل الذي دارت أبحاثه العلمية حول التعلم العميق والشبكات العصبية، بوق القرن من الخطر الداهم، فإن المرء عليه أن يتوقع ما لم يقله، وما يزعج الخليقة من التقدم في مجالات غير معلومة المصير. هل نحن أمام ندم مواز لما قدمه ألفريد نوبل مخترع الديناميت، والذي حاول لاحقا التكفير عما فعله، من خلال تكريس جائز عالمية لأعمال السلام، أي جائزة نوبل؟ في مؤلفهما العمدة والمعنون «شبه حرب..تسليح وسائل التواصل الاجتماعي»، يتناول، بي دابليو سينجر، المحلل الإستراتيجي في نيو أميركا، وإيمرسون تي بروكينج، الكاتب وخبير العلاقات بين وسائل التواصل الاجتماعي والصراعات، مشهد العلاقة الممكنة بين الذكاء الاصطناعي، ووسائط التواصل الاجتماعي، ومقدار الخطر الحقيقي الممكن حدوثه حال اتحادهما في مواجهة البشر.

هل سيصحو البشر ذات نهار، ليجدوا أنفسهم رهائن للروبوتات؟ على مدى أجيال، فُتن كُتّاب الخيال العلمي باحتمالية حدوث معركة حاسمة من خلال الذكاء الاصطناعي، حيث تقوم الروبوتات بمسح المدن البشرية الصغيرة حاملة قاذفات اللهب، ومدافع الليزر، على أهبة الاستعداد لإفناء البشرية عن بكرة أبيها.

ما سبق قدمته لنا شاشة هوليوود في العديد من أعمالها، غير أن الاستحواذ الأرجح سيحدث على وسائل التواصل الاجتماعي إذا تمكنت الآلات من التلاعب بكل ما نراه على شبكة الإنترنت وطريقة تفكيرنا فيه، وساعتها ستتمكن قولاً وفعلاً من حكم العالم بأكمله، بعد أن تنتصر الآلات في أهم غزو لها، أي غزو العقل البشري، ووقتها لن تحتاج للتمرد على البشر. تبدو الإنسانية أمام معضلة حقيقية، وقد وصف البعض الذكاء الاصطناعي بأنه قدر مخيف ينتظر بني البشر، في شتى مجالات الحياة، لا في مسألة إدارة المحتوى فحسب. ستكون الحروب المستقبلية، وقضايا الحكم والديمقراطية، وأشكال الحضارة الإنسانية، جميعها عرضة للتلاعب ممن يملكون مفاتيح عالم الذكاء الاصطناعي، ويوجهون البشر حيث يريدون.

ولعله من المزعج للغاية أن يستمع المرء إلى أنه في غضون عقد من الزمن، ستستخدم شركات فيسبوك وجوجل وتويتر وأي شركة إنترنت أخرى عملاقة الشبكات العصبية في مراقبة منصاتها. ستتعقب هذه الشبكات كل ما هو غير أخلاقي أو إرهابي، عطفاً على حملات التضليل، والروبوتات التي ترعاها الأنظمة المارقة، وذلك باستخدام ذكاء اصطناعي يُقزّم أي ذكاء موجود الآن، غير أنها ستجد من يواجهها، متمثلاً في ذكاء اصطناعي آخر يسعى إلى التعتيم والتهرب والتشويش والتضليل. أما البشر، فحكماً سيقعون بين شقي الرحى، ويصبحون رغماً عنهم جزءًا من صراع لم يعد يفهمون دينامياته، حتى لو كانوا هم من بدؤوه. أي مستقبل ينتظر الإنسانية في قادم الأيام؟

*كاتب مصري