يواجه الجيش الإسرائيلي، ولأول مرة في إطار المواجهة مع قطاع غزة تحديات صعبة قد تفسر التصعيد الكبير في طبيعة العمليات الجارية في إطار الخروج من النطاق التقليدي الراهن. والجيش الإسرائيلي يدخل المواجهة الجدية مع قادة جدد على مستوى وزير الدفاع ورئيس الأركان، وقادة التشكيلات العسكرية في الجنوب والشمال بل وقيادات المنطقة الوسطي الأمر الذي يفرض على القادة الجدد التعامل بمقاربات مختلفة، ومنهج استراتيجي مغاير لما كان يتم وهذا ما يشير بالفعل إلى تصميم مرتبط بإستراتيجية هؤلاء القادة الذين يريدون أن يثبتوا أنفسهم في إطار المواجهة الحالية.

الأوضاع في الجيش الإسرائيلي اتسمت في الآونة الأخيرة بحالة من عدم الاستقرار حيث يواجه الجيش الإسرائيلي، ولأول مرة في تاريخه أزمة حقيقية على مستوى القيادات العليا والوسطى الجديدة، وهو ما سينعكس بالفعل على مهام وأولويات الجيش في الفترة الراهنة، والمتعلقة بتجدد المواجهة مع قطاع غزة، أو استمرار وقوع عمليات في الضفة الغربية إضافة للمخاطر المتعلقة بالمواجهة مع إيران، وقدرة الجيش الإسرائيلي على التعامل، ومواجهة ما يجري الأمر الذي قد يؤثر على استعدادات الجيش القتالية، وهو ما يحاول الوزير يولاف جالانت تداركه بالفعل حيث يحظى بتقدير، واحترام قادة الجيش، بل وكذلك في صفوف المعارضة الإسرائيلية التي وقفت إلى جوار جالانت في موقفه، وأعلنت دعمها له في مواجهة رئيس الوزراء نتنياهو.

ومن الملاحظ  وجود حالة من الرفض المعلن وغير المعلن لبعض القادة العسكريين لتوجهات الائتلاف الحاكم والسياسات التي يقوم بها والتي تدفع إسرائيل للتصعيد والمواجهة بدليل ما يجري ما في قطاع غزة والتوقع باندلاع مواجهة على أكثر من جبهة، ومنهم رئيس الأركان هاليفي ورئيس الشاباك رونين بار، وقيادات عليا في الاستخبارات العسكرية، بل، وداخل مجمع الاستخبارات.

ولعل الأمر يرتبط بصورة أو بأخرى بتعثر خطة إصلاح الجيش الإسرائيلي التي تجري في التوقيت الراهن، والمفترض أن تنتهي في نوفمبر 2024، وأيضاً حدوث حالة من التجاذب داخل الحكومة، واتهام قيادات الجيش بالسعي لتصدير أزمة موازية لأزمة التعديلات القضائية بهدف تأكيد حضورهم السياسي في المشهد الراهن.

قراءة ما يجري من مواجهات بقطاع غزة ورسم سياسات استراتيجية غير مسبوقة، ترتبط بتكريس وضع الجيش الإسرائيلي في الحياة السياسية بعد أن شهدت إسرائيل كثيراً من المزايدات، والرهانات على الاستمرار في سيناريو عدم الاستقرار السياسي والمخاوف من تأثر الجيش بما يجري خاصة مع إبلاغ أكثر نحو 200 طيار من تشكيلات القوات الجوية قائد القوات بتجميد خدمة الاحتياط النشطة بهم وإبلاغ نحو 100 من ضباط الاحتياط في القوات الجوية قيادتهم بتجميد التطوع في خدمة الاحتياطي الروتينية (ضباط مخابرات – موظفو نظام التحكم – عدد كبير من الفنيين)، وإعلان عدد كبير من قوات العمليات الخاصة المتعاقدين مع الجيش الإسرائيلي أنهم يعتزمون إلغاء عقودهم الدائمة في حالة إقرار التعديلات القضائية.

وتأتي المواجهة الراهنة مع الفصائل الفلسطينية لتمنح فرصة لقادة الجيش للعمل وتأكيد دورهم في مواجهة أية تهديدات أو مخاطر. وقد استطاع رئيس الأركان الإسرائيلي هاليفي السيطرة على الأوضاع داخل الجيش نتيجة للصلاحيات الكبيرة التي يتمتع بها عسكريا، والتفاف القيادات العليا حوله، وهو ما برز في طبيعة النجاحات التي يراها العسكريون في إطار المواجهة الحالية، وتجاوز فيها كل ما هو موروث سابق مع إعادة تشكيل بنك أهداف استراتيجية حقيقية ستتضح لاحقا بعد أن يتوقف إطلاق النار و، بناء على تفاهمات أمنية مع حركتي «الجهاد» و«حماس».

في المجمل فإن المواجهة الراهنة بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، وليس فقط حركتي «حماس» أو «الجهاد» سيحكمها معادلة صعبة أساسها القدرة على الردع المسبق، والتركيز على معادلة الأمن مقابل الأمن والتهدئة مقابل التهدئة حتى لو طالت المواجهة في بعض الأحيان بدليل استمرار بعض المواجهات في مراحل سابقة لمدة 51 يوماً، وهو ما يؤكد على أن الجيش الإسرائيلي بقياداته الجديدة يريد أن يؤكد الخلاصة الشهيرة بأن الجيش له دولة، وهي الرسالة الرئيسية التي يعمل عليها الآن ويريد التأكيد عليها للجمهور الإسرائيلي.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية