أدى التطور التكنولوجي باعتماد «الذكاء الاصطناعي»إلى تعميق «فجوة اللامساواة العالمية»، نتيجة زيادة أرباح المستثمرين «الأثرياء»، وتراجع حصة الفقراء من «كعكة الثروة» وزيادة عددهم، وارتفاع نسبة البطالة وزيادة عدد العاطلين عن العمل.

وبلغة الأرقام فقد سرّحت شركاتُ التكنولوجيا الكبرى في العام الماضي أكثر من 300 ألف موظف يعملون لديها في مختلف أنحاء العالَم، يضاف إليهم أكثر من 110 آلاف موظف تم صرفهم خلال الفصل الأول من العام الحالي. وفي سياق تقديرات إحصائية توقع بنك «غولدمان ساكس» أن تتأثر نحو 300 مليون وظيفة في أوروبا جراء التقدم التكنولوجي، بما يزيد من اتساع «الفجوة» في تركز الدخل والثروة، وسيكون أثرها أكثر عمقاً في الدول النامية.

لكن إحلال الآلة محلَّ الإنسان ظاهرةٌ ترافق التطور التقني، منذ الثورة التكنولوجية الأولى إلى التطور الحالي الذي يطلق عليه الثورة الرابعة، حيث دخل الروبوت على نطاق واسع وبكميات كبيرة إلى مجالات الإنتاج والخدمات على اختلافها. وبما أن الإنتاجية مؤشر يرسم مقدارَ الناتج الحقيقي الذي تنتجه ساعة عمل، اعتماداً على ثلاثة عوامل رئيسية هي: الادخار، والاستثمار في رأس المال المادي والتكنولوجيا الجديدة، ورأس المال البشري.. فإن أدوات تقليد الأنماط البشرية المسماة «ذكاء اصطناعي» ليست مجرد قفزة تكنولوجية كبيرة فحسب، بل هي انعكاس اقتصادي متصل لسلسلة الإنتاجية بكاملها. وتبرز نتيجة ارتفاع الإنتاجية في الاقتصاد بارتفاع الأرباح لأصحاب الأعمال، مقابل فقدان الوظائف وجزء مهم من دخل الأسر. وهكذا يصل العالَم إلى ارتفاع مستويات «اللامساواة» في الاقتصاد.

ووفق تقرير «أوكسفام أنترناشيونال» الذي قدّر الثروة الجديدة بنحو 42 تريليون دولار، فقد حقق المليارديرات زيادات غير عادية في ثرواتهم خلال سنوات وباء «كورونا» وأزمة كلفة المعيشة منذ عام 2020، إذ استحوذ أغنى 1% على 26 تريليون دولار، أي 63% من مجموع الثروات الجديدة، مقابل 16 تريليون دولار (تمثل 37%) ذهبت إلى بقية العالم مجتمعين. ومع الارتفاع السريع في أرباح الغذاء والطاقة، نتيجةَ ارتفاع الأسعار متأثرةً بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، فقد زادت الثروة في العام الماضي، حيث زادت 95 شركةً للغذاء والطاقة أرباحَها بأكثر من الضعف، وحققت 306 مليارات دولار، دفعت منها 257 مليار دولار للمساهمين الأثرياء.

وتمكن أكبر 10 أثرياء في العالم من زيادة صافي ثرواتهم بنسبة 15%، بأرباح بلغت 164.37 مليار دولار خلال شهر واحد، إذ قفزت ثرواتهم المجمعة من 1034.83 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2022 إلى 1199.2 مليار في نهاية يناير الماضي. ولذا من الطبيعي أن تزداد «الفجوة» بين الأثرياء والفقراء.

ويرى تقريرٌ للبنك الدولي أن العالَم يَشهد حالياً أكبر ارتفاع في «عدم المساواة»، منذ الحرب العالمية الثانية، وأن هناك بلدان بأكملها تواجه «شبح الإفلاس»، إذ تنفق أفقر البلدان على سداد ديون الدائنين الأثرياء أربعة أضعاف ما تنفقه على الرعاية الصحية. ويعيش الآن ما لا يقل عن 1,7 مليار عامل في بلدان يتجاوز فيها التضخم قيمةَ الأجور، ويعاني الجوعَ أكثر من 820 مليون شخص. وبالنسبة للحلول المقترحة لهذه المشكلة المتفاقمة، ترى المديرة التنفيذية لمنظمة «أوكسفام»، غابرييلابوتشر، «أن فرض الضرائب على فاحشي الثراء شرط استراتيجي مسبق للحد من عدم المساواة، ولتأمين مجتمعات أكثر سعادة وصحة».

لكن هذا الاقتراح يصطدم بقدرة الأثرياء على التهرب من الضريبة، إذ تبين أن الشركات متعددة الجنسية مسؤولة عن النسبة الكبرى من «الخسائر الضريبية»، إذ قُدرت قيمة الضرائب التي تتهرب منها هذه الشركات بنحو 312 مليار دولار، بما يعادل 65% من مجمل التهرب الضريبي، وتقدر الأرباح التي تنقلها هذه الشركات إلى «الملاذات الضريبية» بنحو1.1 تريليون دولار، أي ما يعادل 40% من أرباحها (وفق تقرير لصندوق النقد الدولي).

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية