شهد العالم العربي تغيرات كبيرة في العلاقات. فبعد كارثة العراق و20 عاماً من التحولات المذهلة وغير المتسقة في كثير من الأحيان في السياسة الأميركية، لم تعد الولايات المتحدة اللاعب المسيطر الوحيد.

فقد دخلت روسيا والصين في حسابات المنطقة كقوى تأثير عالمية. وصعدت إيران وإسرائيل وتركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كقوى إقليمية. وتواجه المنطقة عدداً من التحديات المزعزعة للاستقرار، لا سيما زعزعة الاستقرار الناجم عن عدد من الصراعات الداخلية، وتهديدات التدخل الطائفي، واستحواذ إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومع تقاعس الولايات المتحدة عن تهدئة هذه المياه المضطربة، بل تفاقمها في الواقع، اضطرت الدول العربية لشق سبلها الخاصة للمضي قدماً لحماية مصالحها أو إلقاء الضوء عليها. ففي عام 2020، لإحباط ضم إسرائيلي وشيك محتمل لجزء كبير من الأراضي الفلسطينية، دشنت الإمارات العربية المتحدة الاتفاقات الإبراهيمية. وانضمت دول أخرى منذئذ. وفي غضون ذلك، اجتمع عدد من الدول العربية وبدأت في الانفتاح على العراق وتطبيع العلاقات مع سوريا.

واعتقدت إسرائيل وبعض صقور السياسة الأميركية أن العلاقات العربية مع إسرائيل ستنشئ كتلة إقليمية ضد إيران، لكن الإمارات العربية المتحدة، والآن المملكة العربية السعودية، بمساعدة من الصين، تحركت نحو تطبيع العلاقات مع إيران. وباغتت هذه التحولات الإقليمية والمبادرات العربية المستقلة الولايات المتحدة. ولتقييم وجهات النظر العربية حول هذه التطورات، أجرت شركة زغبي للخدمات البحثية، في السنوات القليلة الماضية، استطلاعات للرأي في أكثر من اثنتي عشر دولة عربية.

وإليكم ما وجدناه. فبعد نفور لفترة طويلة من الولايات المتحدة وسياساتها وعلى الرغم من الحرب الروسية الأوكرانية، لا يريد العرب أن تتعاون حكوماتهم مع الولايات المتحدة أو تتبع سياستها. وينظرون إلى الصراع على أنه شأن أوروبي أميركي. ويُنظر إلى الصين في معظم الدول العربية على أنها القوة الصاعدة. وعلى الرغم من إقرارهم بأن الولايات المتحدة اليوم أكثر قوة، فإنهم يرون الفجوة ستضيق في العقد المقبل. وترى أغلبية في كل دولة أن الصين ستصعد كقوة عالمية، في غضون 20 عاماً.

وهناك نتيجة مهمة لكن غالبا ما يتجاهلها صناع السياسة الأميركية، هي أن العرب يرون أن قوة أميركا في منافسة الصين تتمثل في «قوتها الناعمة» وهي القيم الثقافية والتعليم. والعرب يحبون الولايات المتحدة وقيمها لكنهم يشعرون بأن واشنطن لا تبالي بهم. وبالنظر إلى الداخل، يضع العرب في معظم البلدان مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في أعلى درجات التأييد والدور الإقليمي وأهمية العلاقات.

 وأبدى المشاركون في استطلاعات الرأي من الفلسطينيين أيضا وجهات نظر متباينة تجاه الاتفاقيات الإبراهيمية وتأثيرها، حيث يميل عرب إسرائيل والفلسطينيون في القدس الشرقية أكثر نحو الاتفاقات من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ووسط عرب إسرائيل، تقول أغلبية كبيرة إن الاتفاقات كان لها تأثير إيجابي على حياتهم أو قد يصبح لها هذا التأثير في المستقبل. وتشير هذه النتائج إلى الحقيقة الواضحة المتمثلة في أن الرأي العربي يتماشى في الغالب مع التغييرات التي تحدث في جميع أنحاء المنطقة. ولم يعد العرب ينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها «اللاعب الوحيد في الساحة». لا يميلون نحو اتباع قيادة الولايات المتحدة ويتزايد احترامهم للصين.

هناك حراك إقليمي جديد تتكشف فصوله ويقتضي من العرب تحديد مساراتهم إلى الأمام. وتشير نتائج أخرى إلى أنه يجب على إيران وإسرائيل فهم أن التحركات الحالية نحو التكامل الإقليمي لن تستمر في النمو إلا إذا تغيرت السلوكيات، أي أن تنهي إيران دورها الإقليمي التدخلي في شؤون الدول الأخرى وأن تحقق إسرائيل العدالة للفلسطينيين وتحترم حقوقهم.

*رئيس المعهد الأميركي العربي- واشنطن