قبل التطرق إلى المشاريع الفضائية الواعدة لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، أتوقف قليلاً عند «محطة الفضاء الدولية» كمشروع عظيم يستحق التعريف به، وهو مشروع بدأ العمل فيه نهايةَ تسعينيات القرن الماضي، بالشراكة بين الخصمين التاريخيين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأميركية، إثر حرب باردة استمرت لعقود انهار في نهايتها الاتحاد السوفييتي لترثه روسيا التي ساهمت في إنجاح المشروع وأطلقت «زاريا»، أول مكون للمحطة الفضائية الدولية، لتتوالى الجهودُ تباعاً في المشروع العملاق، أي المركبة العائمة في الفضاء بوزن يصل 400 طن، والتي تدور حول كوكب الأرض بسرعة 18 ألف ميل في الساعة. وأصبحت المحطة منذ عام 2000 مأهولةً برواد الفضاء والباحثين.

ولأن طموح الإنسان لا يتوقف عند حد، فقد تقرر إنهاء خدمة المحطة بعد ثماني سنوات من الآن، أي في عام 2031، بسحبها إلى الغلاف الجوي للأرض ثم تحطيمها فوق مياه المحيط، لتبدأ مرحلة الاستثمار في محطات فضائية متعددة من قبل وكالة «ناسا» الأميركية التي بدأت في منح عقود بمئات ملايين الدولارات لصالح شركات تقوم بتطوير محطات فضائية جديدة ومتعددة قد تصبح مستقبلاً، إلى جانب مهامها البحثية والعلمية، محطات للسياحة من شأنها أن تحقق ما كان في السابق مجردَ خيال أو حلم، ألا وهو «السياحة في الفضاء».

وقد تقدمت دولةُ الإمارات بخطوات متسارعة في مجال استكشاف الفضاء، خاصة بعد أن تكللت بالنجاح أولى تجاربها بإرسال رائد الفضاء هزاع المنصوري في رحلة استمرت ثمانية أيام على متن محطة الفضاء الدولية عام 2019. كما أصبحت الإمارات أول دولة عربية تصل إلى كوكب المريخ بعدما نجح مسبار «الأمل» الإماراتي عام 2021 في دخول مداره حول الكوكب الأحمر. ثم تبع ذلك إنجازٌ إماراتيٌ آخر يُعدُّ الأولَ من نوعه عربياً، حيث قام رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي بالسير في الفضاء، وذلك خلال المهمة الفضائية التي أداها مع طاقم crew-6 التي انطلقت في فبراير الماضي بوساطة صاروخ شركة سبيس إكس «فالكون 9»، وتمتد المهمة لستة أشهر، يشارك خلالها في إجراء تجارب علمية في عشرة مجالات حيوية طوال مدة المهمة. وكشف النيادي أن واحدة من التجارب الموكلة إليه تتعلق بآثار الأدوية السريرية على خلايا القلب في الفضاء، بغية العمل على الحد من مخاطر أمراض القلب وتطوير التركيبات العلاجية لها.

وتستعد المملكة العربية السعودية يوم الأحد القادم (21 مايو الجاري) لحدث تاريخي في مجال الفضاء، ألا وهو انطلاق رائدي الفضاء ريّانة برناوي وعلي القرني في رحلة علمية نحو الفضاء، لإجراء عدة تجارب في مجال استكشاف الفضاء لخدمة البشرية، كتجربة زراعة خلايا مناعية في محطة الفضاء الدولية لمعرفة مدى استجابتها للعلاج في بيئة «الجاذبية الصغرى»، وذلك خدمةً للبشرية في مجال الحد من الأمراض والالتهابات المزمنة، بالإضافة إلى 14 تجربة بحثية أخرى. وقد برز اهتمام المملكة بمجالات الفضاء منذ إطلاق رؤيتها 2030، لتصبح برامج الفضاء وأبحاثه من مستهدفات الرؤية وأولوياتها.

اهتمام السعودية والإمارات بمجالات الفضاء وعلومه وأبحاثه وتقنياته، هو اهتمام يكشف طموحاً كبيراً لقيادتي دولتين خليجيتين عربيتين تقتحمان شتى مجالات العلوم والأبحاث للإسهام في خدمة البشرية ورفاهيتها ولمواكبة التطورات العالمية، وبهذا يحتل البلدان مكانةً كبرى في مصاف الدول المتحضرة، وفي مجال ارتياد الفضاء على الخصوص، إذ توسِّع الإمارات والسعودية نطاق نجاحاتهما وإنجازاتهما الرائدة من الأرض إلى الفضاء!

*كاتبة سعودية