تتجه الأنظار في منطقتنا العربية نحو التحرك الديبلوماسي النشط للملكة العربية السعودية، سواء على المستوى الإقليمي أم على المستوى الدولي، وذلك بسبب الأزمات المتشابكة في كل اتجاه، حيث قامت المملكة بالعديد من المبادرات الإنسانية على المستويين الإقليمي والدولي، وحيث تضطلع الرياض كعادتها بدور المبادر إلى إخماد الحرائق، كما تفعل الآن حيال السودان الشقيق. وكانت المملكة قد بادرت إلى إنقاذ المحاصرين داخل الخرطوم، من خلال إجلاء السعوديين والخليجيين والعرب والأجانب، والذين وصل عددهم أكثر من إثني عشر ألف شخص، ينتمون إلى اثنتين وستين دولة. وهي مبادرة إنسانية سريعة ونبيلة ومتفردة، لاقت أصداءَ واسعةً، وكانت بمثابة بلسم على الجرحَ الذي ترك أثرَه الكبيرَ على السودان الشقيق وشعبه العزيز.
ولم تكتف السعودية بإجلاء المدنيين من السودان، على اختلاف جنسياتهم وأعراقهم، بل سعت بنجاح إلى جمع طرفي الصراع السوداني في مدينة جدة، في محاولة مبشرة لإنهاء الأزمة وإصلاح ذات البين.. تضميداً لجرح السودان وأخذه مجدداً إلى جادة الأمن والاستقرار.
ولم يتوقف الجهد الديبلوماسي السعودي النشط، بل سعى بهمة إلى ترميم العلاقات العربية العربية وإلى التوفيق بين المحاور والتوجهات وجمع الأطراف المتخاصمة واحتواء الخصومات.
وشكلت عودة العلاقات مع إيران تجسيداً لنظرة جديدة تحكم الدبلوماسية السعودية.. فرغم الخلافات السابقة وتباين وجهات النظر في العديد من القضايا، فقد أدرك البلدان حقيقة أن القطيعة ليست في مصلحة أحد، لاسيما في ظروف إقليمية شائكة ومعقدة تواجه المنطقةَ والعالم أجمع، وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية التي باتت تفرض تداعياتِها على نطاق دولي واسع وتنذر بمزيد من الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية، مع استمرار التدخل الغربي الذي يفاقم الأزمة ويصب الزيت على نارها المشتعلة. إن تداعيات هذه الحرب ومخاطرها تحتم على دولنا العربية ودول الجوار أن تتحد وتتضامن وتتعاضد مع بعضها البعض، بغض النظر عن أي خلافات داخل الإطار العربي أو داخل الإطار الإسلامي، بغية صياغة التفاهمات اللازمة وتقديم لغة الحوار على ما سواها.
وكما جاءت عودة العلاقات السعودية الإيرانية مفاجئةً للبعض، لاسيما الذين لم يتفهموا بعد المعاني الحقيقية للسياسة السعودية الواعية والحكيمة، فقد جاءت أيضاً عودةُ العلاقات السعودية السورية بعد انقطاع دام لسنوات. فقد تحولت سوريا خلال السنوات الماضية إلى ساحة للتدخلات الدولية والإقليمية، مما أشعل صراعات سياسية وطائفية ومذهبية دفع الشعبُ السوري ثمنَها غالياً، وقد أدركت المملكة ودول الخليج العربية وأغلب الدول العربية، أنه لابد من عودة سوريا إلى الحاضنة العربية، لتقوية اللحمة العربية ولحماية الأمن القومي العربي، مهما يكن الخلاف والتباين في الرأي.. منعاً لإدامة صراع لم يستفد منه إلا الأعداء.
وقبل سوريا كانت تجربة احتلال العراق تجربة مرة وقاسية ودرساً كبيراً للمنطقة ككل. ولذا كان لابد للعرب من رص الصفوف وتقوية التفاهمات وتنحية الخلافات، خصوصاً الدول العربية المؤثرة والقادرة على دفع عجلة المصالحة إلى الأمام لرأب الصدع العربي.
كان لابد إذن لكل الأطراف العربية أن تجتمع وتتشاور على طاولة الحوار وتتناسى أي خلافات سابقة، منتهجةً سياسة الاحتواء والتفاهم لرسم خارطة طريق عربية، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه من عالم عربي أنهكته الخلافات وبات بأشد الحاجة إلى «دبلوماسية إنقاذ».

*كاتب سعودي