هذا الأسبوع، أُجريت انتخابات الجمعية التشريعية في واحدة من أهم الولايات الهندية الجنوبية هي كارناتكا، التي تحتضن منطقة لشركات التكنولوجيا تلقّب بـ«سيليكون فالي» الهند. وفي هذه الانتخابات، فاجأ حزبُ المؤتمر الوطني الهندي حزب بهارتيا جاناتا الحاكم بفوز بفارق كبير. إذ حصل حزب المؤتمر على 135 من أصل 224 مقعداً، حاصلاً بذلك على 55 مقعداً أكثر مما حصل عليه في الانتخابات السابقة، ومُزيحاً حزب بهارتيا جاناتا عن مقعد السلطة في هذه الولاية المهمة. 
وتُعد هذه النتيجة انتكاسةً لحزب بهارتيا جاناتا، الذي حصل على 66 مقعداً، نظراً لأنه خسر الولاية الهندية الجنوبية الوحيدة التي كان لديه حضور فيها. والجدير بالذكر هنا أنه يُنظر إلى بهارتيا جاناتا على أنه حزب هندي شمالي تتركز قوته في قلب المنطقة الناطقة باللغة الهندية بما في ذلك ولاية أوتار براديش، التي تُعد أكبر ولاية هندية من حيث عدد السكان والتي ترسل أكبر عدد من النواب إلى البرلمان الهندي، وعددهم 80. ولكن منذ 2014، عندما حقق بهارتيا جاناتا الفوز تحت قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، ثم مرة أخرى في 2019، انصبّت جهود الحزب على زيادة حضوره السياسي في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في جنوب الهند. وبدأ في تحقيق تقدم في ولاية كارناتكا حيث تمكن من الفوز في انتخابات الولاية قبل خمس سنوات، ومنذ ذلك الوقت وهو يبذل جهوداً جادةً لتعزيز نفوذه في الولاية الهندية الجنوبية الأخرى، كيرالا. لكن الآن من المحتمل أن يدفع فقدانُ الحزب الحاكم لموطئ قدم في جنوب الهند إلى مرحلة تفكير وتخطيط جديدة في ما يتعلق باستمالة الجنوب.
ولا شك في أن الخسارة في ولاية كارناتكا ستستدعي بعض التفكير والتأمل بالنسبة لبهارتيا جاناتا، مما يُظهر أن أداء الحكومة هو الذي سيكون له تأثير في انتخابات الولايات في نهاية المطاف. كما تُظهر الخسارةُ أنه لا توجد صيغة سياسية معيّنة للنجاح في بلد مترامي الأطراف ومتعدد اللغات والأعراق والأديان والهويات المحلية مثل الهند. بل هناك حاجة للتأكد من أن الأحزاب السياسية تدرك الحقائق الميدانية التي تتغير باستمرار، ليس من ولاية إلى ولاية فحسب ولكن أيضاً داخل الولاية الواحدة. ذلك أن الناس في الهند يصوّتون بطرق مختلفة في الانتخابات الوطنية وفي انتخابات الولايات. ففي انتخابات الولايات تكون القضايا المحلية مهمة في حين تصبح قائمة المواضيع أكبر في الانتخابات التي تجرى على الصعيد الوطني. 
وحينما يتعلق الأمر بالمستوى الوطني، فليس هناك شك في أن بهارتيا جاناتا يهيمن على المشهد السياسي حتى الآن بفضل رئيس الوزراء ناريندرا مودي. إذ ما زال هذا الأخير يتمتع بشعبية على الرغم من ولايتين في السلطة في وقت لم تشكِّل له أحزاب المعارضة تحدياً جدياً. غير أن ما فعله فوز كارناتكا في الانتخابات هو أنه منح حزبَ المؤتمر جرعةً مهمةً من الثقة. فبعد 2018، مني الحزبُ بسلسلة من الهزائم، باستثناء الفوز في ولاية هيماتشال براديش الصغيرة. وبعد سلسلة الخسائر الانتخابية تلك، فلا شك أن هذا الفوز الكبير في كارناتكا قبل الانتخابات العامة المرتقبة العام المقبل يشكّل دفعة سياسية لتحميس وتحفيز كوادره لتُظهر للناخبين أن الحزب لم يدخل في حالة سبات وأنه قادر على مواجهة التحدي الذي يمثّله الحزب الحاكم. 
ويُعد بهارتيا جانتا حزباً سياسياً قوياً اشتهر بكونه دائماً في وضع الحزب الذي يخوض حملة انتخابية. ولهذا، فعلى الرغم من أن هذا الفوز يُعد إنجازاً كبيراً لحزب المؤتمر، إلا أن المعركة من أجل انتخابات 2024 العامة تظل راجحة لصالح الحزب الحاكم، حتى الآن على الأقل. ومن غير الواضح كيف سيستخدم حزب المؤتمر انتخابات كارناتكا لاكتساب زخم في حملته في الانتخابات العامة، غير أن أحد المجالات التي سيكون له تأثير فيها هو جهود إنشاء تحالف معارضة لمواجهة الحزب الحاكم. 
إن فوز كارناتكا قوّى حزب المؤتمر الذي سيكون في وضع أفضل الآن ضمن أي مفاوضات مع الأحزاب الأصغر الأخرى. وعلى كل حال، فإن حزب المؤتمر هو الحزب الوحيد الآخر على المستوى الوطني الذي له حضور في جميع أنحاء البلاد. ذلك أن الأحزاب السياسية الأخرى إما أحزاب محلية، أو أحزاب ذات طموح وطني، لكنها بدون قاعدة من الكوادر أو بدون قوة تنظيمية على الأرض. 
غير أنه ما تزال أمام حزب المؤتمر مهمة صعبة. ذلك أن الفوز في انتخابات الولايات يتم بناءً على مجموعات مختلفة من المواضيع الانتخابية التي لا يمكن تكرارها عبر أنحاء البلاد. وسيتعين على حزب المؤتمر الفوز في بضعة ولايات أخرى ستجرى فيها الانتخابات هذا العام أيضاً، قبل الانتخابات العامة في 2024، لإقناع الناخبين المتشككين وأحزاب المعارضة الأصغر بأنه حزب قادر على إعادة تنظيم نفسه ورصّ صفوفه لمواجهة حزب بهارتيا جاناتا. 
هذا العام، من المقرر إجراء انتخابات جمعية الولاية في خمس ولايات هندية أخرى قبل انتخابات 2024 العامة الوطنية. ويوجد حزب المؤتمر في السلطة في ولايتين كبيرتين من أصل هذه الولايات الخمس وهما راجاستهان وتشاتيس غره. وإذا استطاع الحفاظ على سلطته في هاتين الولايتين، فإن ذلك يمكن أن يشكّل تحدياً كبيراً لحزب بهارتيا جاناتا في الانتخابات العامة. وبالتالي، فمن الواضح أن كارناتكا تمثل دَفعةً كبيرةً لحزب المؤتمر، غير أنه يحتاج للعمل بجدية وتنظيم استراتيجيته الانتخابية، إن كان يريد الحصول على فرصة للتغلب على بهارتيا جاناتا على المستوى الوطني. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي