قد تُقرأ دعوة رئيس أوكرانيا لحضور قمة جدة نوعاً من الدبلوماسية غير المسبوقة عربياً، وعنواناً جديداً لمعنى التضامن العربي والعمل المشترك حتى من قبل دول ترى في نفسها حليفاً تقليدياً لروسيا. فهل يقرأ ذلك تغليباً لما تقدم أو هو مغادرة لمربع الاصطفافات المعنوي منها والتقليدي مع الحليف الروسي، أم هو تأكيد لتخلق مفهوم جديد للعمل المشترك.

تمثيل أوكرانيا بشخص رئيسها في القمة، يعبر عن ممارسة الرياض لثقلها السياسي عربياً ودولياً، وقد يعزز من دور ومكانة الرياض مع شركاء آخرين مثل الإمارات العربية المتحدة في لعب دور متقدم في الأزمة الأوكرانية.إلا أن حضور زيلينسكي لن يهمش ملفات كبرى ستنظر من قبل القمة، ولن تحصر في الأزمات السياسية الكبرى (سوريا/ السودان/ ليبيا/ ملف السلام/ المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية/ محاربة الإرهاب/ أمن الممرات المائية)، بل ستتطرق لملفات استراتيجية مثل:

1- تعطيش العراق وسوريا من قبل دول المنبع تركيا وإيران، ولربما أن تعطل حسم نتائج الانتخابات الرئاسية هو ما حال دون توجيه دعوة للرئيس أردوغان لحضور القمة ومناقشة مثل ذلك الملف.

2- الانخراط الأميركي والصيني كشركاء استراتيجيين في إعادة الاستقرار للمنطقة.

3- دلالات ورسائل الشراكة السعودية الأميركية في إدارة الأزمة السودانية.

4-المقاربة السعودية الإيرانية بضمانة الصين للطرف الإيراني في هذه المقاربة، فهل شملت تلك الضمانات الملف النووي الإيراني؟

5- تزامن ثلاث قمم: القمة العربية، وقمتا آسيا الوسطى وG7 وتقاطع هوامشها. إلا أن كل ما تقدم وخصوصاً النقاط الثانية والثالثة والرابعة والخامسة هو ما حفّز توجيه الدعوة للرئيس الأوكراني، فالمقاربتان الصينية والأميركية قد حققتا نتائج ملموسة على أرض الواقع، وتكافل الأثقال السياسية (السعودية مجلس التعاون/ الولايات المتحدة/ الصين) سوف يعزز من فرص إقناع الأطراف المعنية بالأزمة السورية بضرورة التوافق على إخراجها من أزمتها. وكذلك التوافق حول ليبيا، وكلاهما يمثلان فضاء نفوذ روسي، وموسكو لن تستطيع تجاهل مثل هذا الثقل أو قدرته على تقديم الضمانات اللازمة لإنهاء الأزمة الأوكرانية. فهل ستكون هناك قنوات ثنائية أو ثلاثية على هامش قمة جدة بين فرقاء الأزمة الأوكرانية بعد أن أثبتت الرياض قدرتها بإدارة الأزمات حال توافر الشروط الموضوعية. فهل سنسمع عن انفراجات في جملة هذه الأزمات، خصوصاً أن قمة جدة تتزامن مع قمتي هيروشيما ووسط آسيا.

السؤال الأخير: تخليق مفهوم جديد للعمل العربي المشترك ليس بالتحدي المستحيل، إلا أن عدم تطوير آليات عمل الجامعة العربية قد يلزمنا بإطلاق رصاصة الرحمة عليها والتأسيس لإطار آخر أكثر قدرة على إدارة تفاصيل الشأن العربي.

*كاتب بحريني