بعد مرور خمسة عشر شهراً على انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير 2022، تدور حالياً أطولُ وأشد معركة في هذه الحرب على مسافة تبعد بنحو 100 كيلومتر عن الحدود الروسية في مدينة باخموت. معركة تكبدت فيها أوكرانيا وروسيا خسائر فادحة ودُمرت فيها المدينة.
الروس يقولون الآن إنهم بسطوا سيطرتهم على باخموت، وينشرون صوراً من وسط المدينة حيث ترفرف الأعلامُ الروسية. وبالمقابل، تقول أوكرانيا إن كل ما حقّقته روسيا هو الاستيلاء على منطقة صغيرة من المدينة، والذي تأتى بثمن باهظ ويخضع لحصار في وقت تستعد فيه القوات الأوكرانية لشنّ هجوم صيفي مضاد. وأياً تكن الحقيقة، فالثابت هو أن المدينة دُمرت بتكلفة كبيرة لكلا الجانبين. ونتيجة لذلك، باتت الحرب الدائرة في شرق أوكرانيا تكتسي بشكل متزايد ملامح من بؤس الجبهة الغربية إبان الحرب العالمية الأولى.
والأكيد أنه خلال الأشهر المقبلة سيتضح أكثر ما إن كان بإمكان أي من الجانبين الاستمرارَ في تحمّل مثل هذه الخسائر الكبيرة في الجنود إضافة إلى الاستهلاك المرتفع الموازي للذخائر التي أضحت نادرةً على نحو متزايد. روسيا تحتاج إلى نصر واضح من أجل رفع معنويات رأيها العام التي تأثرت منذ الأسابيع الأولى للحرب حينما وُعد بنصر سريع وكان الروس يتوقّعونه. وبالمثل، يحتاج الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى أن يُظهر لحلفائه الكثيرين في الغرب أن إمدادهم السخي لبلاده بالأسلحة والمال يؤتي ثمارَه، ليس فقط لصد عمليات التقدم الروسية، ولكن أيضاً لمنح أوكرانيا تفوقاً عسكرياً أساسياً في حال أضحت المفاوضاتُ السياسيةُ ضروريةً.
والحق أن أوكرانيا أثبتت أنها تستطيع التعامل مع الأسلحة الغربية بفعّالية. وفي المستقبل القريب، من المتوقع أن تتعزز الدبابات والمدفعية المتطورة بطائرات مقاتلة غربية، وخاصة طائرات «إف 16» المقاتلة متعددة الأدوار. غير أن أكبر مخاوف زيلينسكي هي أن ينتاب بعضَ حلفائه إرهاقُ الحرب فيمارسوا عليه ضغوطاً من أجل الدخول في مفاوضات، حتى وإن كان ذلك يعني ترك روسيا تسيطر على بعض المناطق في أوكرانيا.
والواقع أن التحديات جدّية بالنسبة للجانبين، إذ باتت أكبر المخاوف توجد في الداخل، حيث أصبح مؤيدو الحرب المتشددون لا يتوانون عن توجيه انتقادات متزايدة إلى أسلوب إدارتها، وقد يحاولون ممارسة ضغوط من نوع معين. 
غير أنه في حالة إجراء مفاوضات، ستكون مشكلة التعويضات واحدة من أصعب القضايا موضع التفاوض، ذلك أن الدمار الذي أحدثته الحرب في أوكرانيا كبير جداً لدرجة أن الأمر يتطلب مبالغ مالية ضخمة للغاية من أجل الشروع في إصلاح الأضرار، هذا دون الحديث عن لوائح الاتهام الدولية المحتملة ضد الفاعلين في الحرب والتحقيقات الطويلة بشأن الأشخاص المفقودين، وخاصة الأطفال.
وراء هذه المخاوف يكمن خوف وجودي من غياب نصر تام في هذه الحرب، ومن ثم هناك مَن يعمل على إطالة أمدها وبلوغ شتاءٍ ثانٍ عسى أن يَحدث انهيارٌ تحت وطأة الخسائر والهجمات التي لا نهاية لها.
وفي الأثناء، يبدو أن احتمال اللجوء إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل آخذ في التضاؤل. غير أن كارثة قد يتسبب فيها ضررٌ يَلحق بواحدة أو أكثر من محطات الطاقة النووية العديدة في أوكرانيا، تظلُّ سيناريو مخيفاً لن يستفيد منه أحد.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشيونال إنترست -واشنطن