من الواضح أن القمة العربية التي انعقدت في جدة قدّمت خطوةً عبر عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة، ويفترض أن الجميع ينتظرون خطوة سورية بالمقابل، وينبغي تجاهل ما يردده بعض المحللين المتسرعين من أن الجامعة هي التي عادت إلى سوريا، وأن العرب قدَّموا اعتذاراً عن مواقفهم السابقة، فهذا في نظري لا يليق أمام ما قدمه العرب من احتفاء بسوريا غير مضطرين ولا مكرَهين، وهو لا يعني أن العرب كانوا مخطئين حين أخفقت مساعيهم سابقاً في منع وقوع ما حدث، ولن ننسى أن أهم ما فعلوه منذ اندلاع الأحداث المأساوية كان جهداً دبلوماسياً متواصلاً لحث الحكومة السورية على القيام بخطوات تطفىء النيران المشتعلة، ثم انصبَّ الدورُ الخليجي في ميادين الإغاثة، حيث أسهم أهلنا في الخليج في تجهيز مخيمات اللجوء والنزوح، وقدَّموا الأغذيةَ والأدويةَ لملايين اللاجئين السوريين في دول الجوار، وحثوا العالَم على تقديم الدعم والمساعدة. وساهمت بعض الدول العربية في تمكين الشعب السوري من الدفاع عن نفسه أمام قوى الإرهاب في وقت كبُرت فيه الفواجع، لكن التوجه الخليجي كان دعماً لمسيرة الحل السياسي الذي نادى به العالَمُ كلُّه وانعقدت من أجله مؤتمرات مجلس الأمن والجمعية العامة، وولدت من أجله «مجموعة أصدقاء سوريا» الدولية، وفي مؤتمر فيينا تم تكليف المملكة العربية السعودية بعقد مؤتمر الرياض لتوحيد قوى المعارضة وتشكيل هيئة عليا للمفاوضات (كنتُ أحد أعضائها)، وكان هدف المفاوضات وقف القتال، وإنهاء الحصار، والسماح بإدخال المساعدات، كي تبدأ مفاوضات الحل السياسي وفق القرارات الدولية، لاسيما القرار الذي صاغته روسيا ووافق عليه الجميع. وقد تضمن الحوارُ التفاوضي الذي قاده ديمستورا موضوعات الانتقال السياسي والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب، وأخذ موضوع الدستور الأولويةَ وأنشئت اللجنة الدستورية التي لم تتمكن من إنجاز مقدمة للدستور.
كانت الدول الخليجية داعمة للحل السياسي، وبذلت جهوداً لإنجاحه، لكن الولايات المتحدة تخلت عن الملف السوري، وتسلمته روسيا وحدها، وتوسع الدور الإيراني، وانشغلت الدولُ الخليجيةُ بأزمة اليمن وتداعياتها، ثم بدا فتور في العلاقات العربية الأميركية (ولاسيما في عهد بايدن)، رغم حرص العرب على البعد الاستراتيجي في علاقاتهم الدولية بشكل متوازن، وهو ما دفعهم إلى توسيع هذه العلاقات مع روسيا والصين، وإلى القيام بمراجعات إقليمية ودولية توائم المتغيرات الراهنة، وبخاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ومع بوادر تمدد الصراعات، والحذر من انفجار مواقع جديدة تكون ساحات لحروب محتملة، فضلاً عن الرغبة القوية في الاعتماد على الذات وتمكين الموقف السيادي.. وهذا ما بدا توجهاً مشتركاً بين دول الخليج العربي، وبخاصة الإمارات والسعودية، وتم إظهاره بقوة في قمة العلا، ونتجت عنه سياسة تصفير المشاكل، والمصالحات الهامة التي أنهت الخلافات الإقليمية وبخاصة مع تركيا وإيران.
وكانت المعارضة السورية قد غرقت في اللجنة الدستورية، وفي الانتظار الطويل لاستعادة هيئة التفاوض دورها، وحلت لقاءات آستانة وسوتشي محل جنيف، وانطلقت فكرة التواصل مع حكومة دمشق عسى أن يحقق هذا التواصل دفعاً نحو الحل السياسي، ولئن كان كثير من السوريين يخشون أن يتم التخلي العربي عن قضيتهم، أو أن يطول تشردهم كما طال التشرد الفلسطيني، فإنني واثق من أن أشقاءنا العرب الذين قدّموا الكثيرَ لصالح الشعب السوري لن يقصِّروا في متابعة الدفع نحو حل سياسي عادل.

*وزير الثقافة السوري السابق