يقع أكثر من مليون زلزال سنويّاً على مستوى العالم -بمعدل زلزالَين في كل دقيقة- وتتسبب بمقتل نحو 60 ألف شخص. وتؤثِّر مجموعة من العوامل في تباين أعداد القتلى بين زلزال وآخر، مثل قوانين البناء، والاستجابة الحكومية، ووقت وقوع الزلزال من اليوم والليلة، إلى جانب موقع مركزه وعُمقه. ويؤدي وقوع زلزال في منطقة حضريَّة عموماً إلى خسائر فادحة في الأرواح، إن لم تُتَخذ التدابير اللازمة لتعزيز القدرة على الصمود في وجه الزلازل. أمَّا لو أسهمت العوامل القائمة في تقويض هذه القدرة، مثل الفقر أو الصراع، فسوف يُفضي تداخل هذه الأزمات وتراكمها -لا محالة- إلى خسائر كبيرة في الأرواح.
وأودت الزلازل بحياة أكثر من مليون شخص في العالم، وتحديداً في أرمينيا والصين وإكوادور وجواتيمالا وهاييتي وإيران والهند وإندونيسيا واليابان والمكسيك وباكستان وبيرو وتركيا، بين عامَي 1970 و2017. وكان الزلزال الذي ضرب اليابان في عام 2011، وبلغت قوته 9.1 درجة، أقوى زلزال مسجَّل في تاريخ البلد، وحصد أرواح أكثر من 19 ألف شخص، في حين أن حصيلة قتلى الزلزال الذي وقع في هاييتي في عام 2010، وكان أقل منه قوةً، تُقدر بنحو عشرة أضعاف ذلك. ويُعد الزلزال الذي وقع في عام 2023، بالقرب من الحدود بين تركيا وسوريا، واحداً من أسوأ الزلازل في تاريخ المنطقة الحديث، وأسفر عن مقتل ما يزيد على 59 ألف شخص، وامتد تأثيره إلى مساحات شاسعة من البلدين. 
ولكنَّ هذا الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة كانت له القوة نفسها للزلزال الذي ضرب شانشي في الصين عام 1556، وسجَّل 7.9 درجة. وقد راح ضحية هذا الزلزال، الذي يُعرَف أيضاً باسم «زلزال جياجينج العظيم»، ووقع في عهد أسرة مينج، ما يربو على 100 ألف شخص نتيجةً لتأثيره المباشر، في حين أدى تأثيره غير المباشر في المنطقة إلى اضطرابات أفضت إلى وفاة 830 ألفاً آخرين، ويُعد الزلزال الأسوأ في تاريخ البشرية من حيث عدد الوفيات. 
ويرجع العدد الكبير في الخسائر الناجمة عن زلزال شانشي إلى مجموعة من العوامل، أهمّها وقوع مركز الزلزال في منطقة مكتظة بالسكان ومتطورة اقتصاديّاً، عاش فيها معظم السكان في كهوف محفورة بالجروف الصخرية، فانهارت على رؤوس النائمين في داخلها، ودُفنوا أحياءً بين الأنقاض، غير أن 70 في المئة من هؤلاء السكان لم يهلكوا بسبب الانهيار الأولي للمباني، والانهيارات الأرضية الواسعة النطاق، التي أودت بحياة 100 ألف شخص، وإنما بسبب الكوارث الثانوية التي ظهرت عقب الزلزال، مثل تفشّي الطاعون والمجاعة في خضم الهجرة الجماعية للناجين. 
وأسهم النزوح الداخلي في الصين، الذي اقترن بانعدام الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة إبَّان عهد الإمبراطور جياجينج، الإمبراطور الثاني عشر من أسرة مينج، في إنهاك أنظمة الزراعة والإسكان المحلية، وخاصَّة أن البنية التحتية في المنطقة قد تضررت فعلاً من جراء غزو شنَّه ألتان خان، القائد المغولي، في عام 1550، إذ تمكَّن من احتلال جزء من مقاطعة شانشي المجاورة آنذاك، وكان قد حاصر قبل ست سنوات بكين ثلاثة أيام، ونَهَبَ المناطق المحيطة بها. 
ونرى ديناميات مماثلة بعد نحو 467 عاماً، عقب الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في عام 2023، فعلى الرغم من بُعْدِ سوريا، التي دمَّرتها الحرب، مئات الكيلومترات عن مركز الزلزال الأولي، فإنَّ أجزاء منها قد تضررت ضرراً لا يقل عن ذلك الذي لحق بتركيا، إذ سُجِّلت نحو 14 في المئة من الوفيات التي وقعت عقب الزلزال في سوريا، في حين كان نحو 12 في المئة من الضحايا في تركيا من اللاجئين السوريين. 
ويُرى أشد التباين في عدد الوفيات بين المناطق السورية التي تسيطر عليها الحكومة وتلك التي يسيطر عليها المتمردون، إذ بلغ عدد القتلى في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون شمال سوريا، واستنزفت الحرب التي دارت رحاها 12 عاماً بنيتها التحتية الطبية وبنية الطوارئ، وبنية النقل والمواصلات، ضعفَ مثيله في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية دُكَّ ما مجموعه 10,600 مبنًى دكّاً جزئيّاً أو كاملاً، في حين تضررت آلاف المباني الأخرى في البلد. وأصبحت هياكل معظم هذه المباني غير آمنة نتيجةً لتأثيرات الصراع. ويُلاحظ تأثير مماثل في محطات الطاقة، ومرافق المياه، والمستشفيات، والبنية التحتية العامة في أنحاء البلد كافة. 
وفي تركيا دُمِّر 164 ألف بناية أو تضررت بشدة، وأصبح 2.7 مليون نسمة بلا مأوى، وتعرَّضت الماشية، ومصايد الأسماك، والأحياء المائية، والبنية التحتية الريفية لأضرار جسيمة، ما قضى على خُمس الإنتاج الغذائي الإجمالي في تركيا. وكانت المناطق الأشد تضرراً من الزلزال في تركيا قد شهدت طفرة عمرانية وإنشائية سريعة في الأعوام التي سبقت الكارثة.
ولا شك في أن قوانين البناء واللوائح الإنشائية غير المستوفية للمعايير المطلوبة قد أسهمت في زيادة معدل الأضرار التي وقعت في تركيا، غير أن تزامن الزلزال مع الحرب الدائرة في سوريا وأزمتها المستمرة (من تدمير البنية التحتية إلى تعطيل أنظمة الرعاية الصحية) قد ضاعف حجم الأضرار وأعداد الضحايا. ويتضح ذلك جليّاً، من الناحية الاقتصادية، بنداءات التمويل الطارئ التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة، إذ كانت تركيا بحاجة إلى مليار دولار، وسوريا إلى 400 مليون دولار. وفي حين تمكنت تركيا من حشد موارد الدولة عقب الكارثة، اعتمدت سوريا اعتماداً كاملاً تقريباً على المجتمع الدولي، ولا سيَّما في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، وتكبَّدت أسوأ الأضرار. 
واحتشد المجتمع الدولي للاستجابة للزلزال، إذ تعهد البنك الدولي بتقديم 1.78 مليار دولار، وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية تقديم مساعدات بقيمة 185 مليون دولار، فيما عُدَّ أكبر مساهمة من جانب دولة واحدة في جهود الإغاثة، إلا أنَّ دولة الإمارات العربية المتحدة أرسلت مساعدات بقيمة تقارب 100 مليون دولار، ما يعادل ضعف المساعدات المباشرة المقدمة من الأمم المتحدة، وكانت بمنزلة محور إنساني رئيسي لجهود الإغاثة أيضاً. 
ويُعد مستودع منظمة الصحة العالمية في دبي الأكبر من بين شبكة مستودعاتها العالمية، في حين تملك مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبرنامج الأغذية العالمي، والصليب الأحمر، والهلال الأحمر، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، والمنظمات الأخرى المشاركة في جهود الاستجابة للكارثة مراكز في المدينة العالمية للخدمات الإنسانية البالغة مساحتها 1.5 مليون قدم مربعة. وتدفع دولة الإمارات نفقات كل مرافق التخزين تلك، في حين لا تتحمل منظمات الإغاثة سوى مسؤولية تدبير المشتريات.
ومع أن هذه الاستجابة من جانب المجتمع الدولي لا تزال أقل من المطلوب للتعامل مع الكارثة بمختلف جوانبها، فإنها حالت دون وصول عدد الوفيات غير المباشرة إلى المعدل الذي سُجِّل عقب زلزال شانشي، إذ لم يكن التنسيق الدولي في القرن السادس عشر ممكنًا كما هو عليه اليوم، فضلاً عن أن الزلزال وقع في عهد أسرة مينج الذي اتسم بالانعزال، وكان الاتصال فيه بالعالم الخارجي ممنوعاً بصرامة. 

وإجمالاً من الضروري الإلمام بالخطوات الثلاث الرئيسية التي حددها التحالف الدولي للزلازل، وهي: «انزل، واحمِ، واثبت»، أي انزل على يديك وركبتيك كي تحمي نفسك من السقوط أو الإصابة بالأنقاض المتطايرة، واحمِ رأسك ورقبتك، وازحف إلى أسفل ساتر قوي -وليكن طاولة أو مكتباً- واثبت في مكانك إلى أن ينتهي الزلزال. وقد أوصى خبراء الإنقاذ والاستعداد للطوارئ باتِّباع قاعدة «انزل، واحمِ، واثبت» بصفتها الطريقة المثلى للحماية في حال وقوع زلزال، غير أنه يُوصَى الجميع بالحصول على تدريبات السلامة من الزلازل للتكيف مع مختلف المواقف التي قد تطرأ في حال وقوعها. وتتمثل الرسالة العامة للأفراد وصنَّاع القرار على السواء، في أن الاستعداد يُعد عاملاً رئيسيّاً يضمن أفضل النتائج الممكنة، ويحد من تأثير الأزمات المتزامنة.

*أستاذ مساعِد في قسم علوم الأرض بكلية الآداب والعلوم في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا