يحلّ ضيفاً على شاشات السينما الشهر القادم عالم الفيزياء النووية «روبرت أوبنهايمر»، وذلك في فيلم سينمائي تكلّف قرابة نصف المليار دولار. يعرض الفيلم للسيرة الذاتية للرجل الذي دخل التاريخ باعتباره «أبو القنبلة النووية»، ووصف نفسه بالجملة الشهيرة «أنا الموت».
ولد «جوليوس روبرت أوبنهايمر» عام 1904 ورحل عام 1967، وحسب المؤرخين فإنه كان نابغةً منذ الصغر.. وصولاً لدراسته في جامعة هارفارد. كان أوبنهايمر محظوظاً بمعاصريه، فقد كان الفيزيائي الكبير «بيرسي بيرجمان» الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء أستاذاً له في هارفارد، وكان أشهر علماء الفيزياء قاطبةً ألبرت أينشتاين هو من رشحّه مديراً لمشروع مانهاتن لإنتاج القنبلة النووية.
درس أوبنهايمر فيزياء الجسيمات وميكانيكا الكم، وأصبح أستاذاً في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ومن هناك بدأت الرحلة التي غيّرت وجه العالم ومسار التاريخ، حيث بدأ فريقه العلمي بعيداً، في مختبر لوس آلاموس، وفي سريّة تامة، العمل على إنتاج أول قنبلة نووية.
كان رأى أينشتاين وأوبنهايمر أن هتلر يسارع نحو إنتاج السلاح النووي، ولما قام هتلر بغزو بولندا بدأت واشنطن في تشكيل نخبة من العلماء لكسب معركة الوقت، والوصول إلى القنبلة قبل أن تصل لها ألمانيا النازية.
نجح فريق مشروع مانهاتن برئاسة أوبنهايمر في صناعة (4) قنابل نووية، ثم إلقاء اثنيْن منها على هيروشيما ونجازاكي عام 1945. وهنا بدأت صدمة أوبنهايمر والعلماء من هول ما رأوا، ثم كانت محاولاتهم: أينشتاين وأوبنهايمر وجوزيف روتبلات ومعهم الفيلسوف برتراند راسل.. لوقف الاندفاع نحو السباق النووي، وحماية العالم من حرب لا تبقي ولا تذر.
في تقديري.. ثمّة مفارقات أربع في مسيرة أوبنهايمر يجب التوقف عندها. المفارقة الأولى: أن والدة أوبنهايمر كانت فنانة تشكيلية، وكان يريد أن يدرس الأدب الإنجليزي والفرنسي، ولم يكن ما وصل إليه موجوداً على جدول أهدافه، وهكذا فإن ابن الرسّامة الطامح لدراسة الرواية.. راح يصنع لوحة عدميّة من الفناء.
المفارقة الثانية أن أوبنهايمر كان شيوعياً على الأرجح، وكانت زوجته وأخوه وابنته شيوعيين كذلك، وقد حاولت الأجهزة الأمنية الإطاحة به من رئاسة مشروع مانهاتن بسبب انتمائه للشيوعية، ولكن القائد العسكري للمشروع رفض تقارير الأجهزة وأبقى عليه مديراً، ولكنه في عام 1953 تمت الإطاحة به وإلغاء تصريحه الأمني، بعد اتهامه بأنه عميل للاتحاد السوفييتي، ولمّا حاولت ابنته لاحقاً العمل مترجمة في الأمم المتحدة تم رفضها لأسباب أمنية!
والمفارقة الثالثة.. أن الرجل القوي الذي قاد إنتاج أخطر سلاح في التاريخ بلا تردد أو خوف، سرعان ما أصابه الندم والمرض، وقال في حوار أجراه معه الأديب الشهير آرثر ميلر: الآن.. أصبحت أنا الموت.
المفارقة الرابعة.. حتى عام 1934 لم يكن أوبنهايمر مثقفاً، أو يدري شيئاً عن العالم.. لم يكن يقرأ الصحف، ولا يسمع الإذاعة، ولم يعرف شيئاً عن الكساد الكبير وانهيار بورصة نيويورك وحالة الفزع التي أصابت كل الولايات المتحدة.. إلاّ بعد ستّة أشهر!
وهكذا تتشكل دراما مذهلة للبروفيسور أوبنهايمر.. الرومانسي الذي خطط لدراسة الأدب، والشيوعي هو وعائلته، وغير المثقف الذي لا يعرف ما يدور من حوله.. يصبح هو الرجل الذي يقود بكل ثقة: صناعة الموت. 
الأخلاقيون لا يمجدون أوبنهايمر.

*كاتب مصري