زراعة حبوب القمح تعد من المواد الغذائية المهمة، والتي تعد سلعة استراتيجية، تدخل في صناعة أكثر من مادة غذائية مهمة يحتاجها البشر في تنوع طعامهم واستهلاكهم اليومي. وكانت بعض الدول العربية تنتج محاصيل زراعية، من بينها محصول القمح بأنواعه، بل بعضها كانت تصدر للخارج لزيادة الفائض من إنتاجها المحلي نظراً لوفرة المياه فيها وحجم مساحات الأراضي الصالحة للزراعة والأيدي العاملة المتوافرة لديها محلياً.

وقد تراجعت أو اختفت هذه الزراعة في بعض البلدان العربية لأسباب نجهلها، رغم وجود أراضٍ خصبة ومساحات تصلح للاستزراع، وتستثمر مساحتها لزراعة القمح بنجاح دائم، سواء بالاعتماد على الري بمياه الأمطار، أو السقي بوساطة الآبار الزراعية والأنهار. وبعد الحرب (الروسية الأوكرانية)، فقد تبين أن أغلب الحبوب تأتي من هناك، بعد أن واجه العالم شحاً في بعض المحاصيل الزراعية، ومنها حبوب القمح.

وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول التي شجعت واهتمت ودعمت الزراعة منذ تأسيسها على يد باني نهضتها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حيث اهتم مبكراً بالزراعة ودعمها ورعاها، وحوّل الصحراء إلى واحات خضراء من النخيل والأشجار والأثمار والورود والأزهار، رغم صعوبة التجربة الأولى بالإمارات، ولكن تحقق ذلك بفضل إرادته وإصراره على إصلاح التربة ليجعلها أرضاً صالحة للزراعة بامتياز. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، أجرت إمارة الشارقة تجربة ناجحة هذا العام بزراعة القمح في منطقة المليحة، بمساحة 800 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة. وحقق موسم الحصاد نجاحاً مبهراً فاق التوقعات، وصرح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بأن التجربة تمت بنجاح تام وفاقت التوقعات.

وقد اكتشف أن حبوب القمح بالإمارات التي جني حصادها من أجود أنواع الحبوب الصالحة للاستهلاك الآدمي، وسوف يكون لدولة الإمارات اكتفاء ذاتي من هذا النوع الجيد من حبوب القمح النقي الصالح للاستهلاك الذي ثبت أنه من أجود أنواع الحبوب، ويعتبر من أفضل حبوب القمح بالعالم من حيث الجودة الخالية من الشوائب، والإضافات الخالية من المبيدات المضرة للإنسان.

فلماذا لا تكرر وتتوسع وتنتشر وتدعم هذه التجربة الناجحة في دولنا الخليجية، وكذلك في الدول العربية التي تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة؟ لدى العالم العربي إمكانات هائلة في القطاع الزراعي، يمكن تعظيم الاستفادة منها، حيث تتوافر غزارة المياه مثل العراق وسوريا والسودان ومصر، وغيرها. المأمول أن يكون هناك اكتفاء ذاتي عربي، بالإضافة إلى تشغيل اليد العاملة العربية المعطلة، من خلال استيعاب طاقتها في هذه الحقول الزراعية.

لست خبيراً في القطاع الزراعي، لكن  لماذا لا يتم تكرار تجارب الزراعة الناجحة، خاصة وأنها رافد مهم في الأمن الغذائي العربي؟ طموح قابل للتحقق يحل مشكلة كبيرة من البطالة العربية، ويدرأ مخاطر عديدة، خاصة اضطراب سلاسل التوريد، لاسيما جلب حبوب القمح من الخارج ومن أقصى بقاع الدنيا، وسط مخاوف وقلق من تعثر وصوله، بسبب الحروب المستمرة والأزمات المتلاحقة.

في النظام العالمي الجديد، وما يعتريه من توترات تدمر الحجر والشجر والبناء والإنسان، لا مناص من التفكير جيداً في تحقيق الأمن الغذائي، والسعي لزراعة الحبوب من أجل إنتاج محلي يقلل فواتير الاستيراد، ويعزز الاقتصاد القومي.

* كاتب سعودي