يوجب القانون على أي شركة ذات مسؤولية محدودة بأن ينتهي اسمها بالحروف «ذ. م. م»، إذ هكذا تتحدّد المراكز القانونية لجميع الأطراف سلفاً، فالمتعامل معها، أو العامل بها، يعرف أن الشركاء فيها لا يضمنون ديونها في حال عجزها عن الوفاء إلا بمقدار حصصهم في رأس مالها، وهو الأمر الغائب عن بعض الشركات غير معروفة الطبيعة، سواء عامة أو خاصة، وكذلك بعض المؤسسات، من حيث كونها ذات نفع عام من عدمه.
وهذه المعرفة ليست ترفاً، إذ تختلف مراكز وأوضاع قانونية كثيرة، استناداً إلى طبيعة الشركة أو المؤسسة، فلو كانت الشركة عامة، والمؤسسة ذات نفع عام، فإن أموالها تعد أموالاً عامة، ويقيم القانون حول المال العام سياجاً من الحماية، فلا يجوز الحجز عليه، أو تملّكه بمرور الزمان، ويعاقب من يستولي عليه بعقوبات مشددة. وهكذا بالنسبة لأوراقها، إذ تعد محررات رسمية، العبث بها يشكّل جريمة من نوع الجناية، كما أن سمعة وهيبة ومكانة أي مؤسسة عامة مصونة تحت طائلة العقاب من السخرية أو الإهانة أو الإضرار.
والعامل في الشركة العامة أو المؤسسة ذات النفع العام، يعد موظفاً عاماً، المساس به أثناء وبسبب أداء عمله معاقب عليه بعقوبة مغلظة، وفي المقابل، انتهاكه هو للقانون أثناء عمله يوجب عليه عقوبة مغلظة. كما أن القانون الذي ينظم علاقته بجهة عمله هو قانون الخدمة المدنية، والمحاكم الإدارية هي المختصة بالنظر في المنازعات التي تنشأ بينه وبينها، وليس قانون العمل، ولا المحاكم العمالية.
والكلام هنا ليس عن السلطات الاتحادية والمحلية والهيئات والمؤسسات العامة الاتحادية والمحلية، وإنما عن عدد من الشركات غير واضحة الطبيعة، وهي تتزايد باستمرار، وتتفرّع منها غيرها، خصوصاً في مجال البنوك والبترول والطيران والبريد والتطوير والتمويل العقاريين وإدارة الموانئ والإعلام، وكذلك بعض المؤسسات ذات النفع العام.
والإشكالية ليست في عدم وجود تعريفات للمال العام، أو للمحرّر الرسمي، أو للموظف العام، وإنما في أن هذه الشركات غير معروفة إن كانت مملوكة كلياً أو جزئياً للحكومة، والمؤسسات غير معروفة إن كانت ذات نفع عام من عدمه، وعدم المعرفة تجرّ معها عدم معرفة بطبيعة أموالها، وبأوراقها، وبصفة العاملين فيها.
والإشكالية الأخرى أن المحاكم العليا هي التي تحدد طبيعة هذه الشركات والمؤسسات، ولا يكون ذلك إلا بمناسبة نزاع معروض أمامها، أو جريمة تنظر فيها، ويبقى التعرّف على طبيعة الشركة أو المؤسسة محصوراً بأطراف تلك الدعاوى، فلو قاضى موظف شركته باعتبارها خاصة، ثم قرر القضاء أنها عامة، فإن الموظفين الآخرين وسائر الأفراد العاديين لن يصلهم حكم القضاء بالضرورة.
وباستقراء عدد من أحكام المحاكم العليا، نجد أن هناك أكثر من معيار استندت عليه في اعتبار الشركة عامة أو المؤسسة ذات نفع عام، فتارة مساهمة الحكومة في رأس مالها، وتارة طبيعة نشاطها، وتارة تقديمها خدمة معينة بشكل احتكاري، وتارة بالنظر إلى كيفية اكتسابها الصفة العامة، وتارة بالغرض من إنشائها.
لابد أن تكون طبيعة الشركة والمؤسسة واضحة سلفاً، سواء للعاملين فيها، أو المتعاملين معها، قبل مخاطبتهم ومحاسبتهم بالقوانين ذات العلاقة.