في 25 سبتمبر الماضي، ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطاباً متنوع القضايا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبعد أن تفاخر بمدى النجاح الكبير الذي أُحرز خلال العامين الأولين من رئاسته «التي حققت أكثر مما حققته أي إدارة تقريباً في تاريخ بلدنا»، راح يرسم الخطوط العريضة لأجندة جديدة ثورية للولايات المتحدة ودورها في العالم. وفي هذا الصدد، أشار ترامب إلى أن المعايير التقليدية للسياسة الأمنية والخارجية الأميركية التي ركزت منذ عام 1945 على تعددية الأطراف والمؤسسات الدولية وحقوق الإنسان، لن تظل هي المبادئ الأساسية للسياسة الأميركية. وقال: «إن أميركا ستختار دائماً الاستقلالية والتعاون على الحكامة العالمية والسيطرة والهيمنة. إنني أحترم حق كل دولة في اتباع عاداتها ومعتقداتها وتقاليدها الخاصة. فالولايات المتحدة لن تملي عليكم كيف تعيشون أو تعملون أو تتعبدون. لكننا بالمقابل نطلب منكم احترام سيادتنا».
سياسة ترامب تتعارض بشكل خاص مع رجل يقول إنه من المعجبين به: إنه الرئيس الأميركي رونالد ريجان. ذلك أن إحدى الخصائص التي ميزت رئاسة ريجان هي هجماته الصريحة على الشيوعية، خاصة الاتحاد السوفييتي، الذي كان يصفه بـ«إمبراطورية الشر»، وإصراره على أن تتخلى موسكو عن قبضتها العسكرية على بلدان حلف وارسو. وقد أوضح الخطابُ الذي ألقاه في 12 يونيو 1987 في برلين هذه النقطة بشكل جيد حين قال: «سيد غورباتشوف، اهدم هذا الجدار»، في إشارة إلى جدار برلين الذي بُني عبر المدينة سنة 1961 قصد منع سكان ألمانيا الشرقية من الفرار إلى الغرب. وبخصوص مواضيع عالمية أخرى، كان احتضان ريجان للمهاجرين مختلفاً جداً عن مقاربة ترامب. فريجان هو من قال: «إن قوتنا تأتي من إرثنا بخصوص الهجرة أكثر من أي بلد آخر». وعلى العكس من ذلك، جعل ترامب من تقييد الهجرة، بنوعيها القانوني وغير القانوني، وبناء جدار بمحاذاة الحدود مع المكسيك لمنع الناس من دخول الولايات المتحدة، حجرَ الزاوية في سياسته.
والواقع أن بعض قرارات ترامب تحظى بدعم معتبر داخل الولايات المتحدة، مثل انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وقرار عدم توفير الدعم للمحكمة الجنائية الدولية. لكن بعض الخطوات الأحادية الأخرى، مثل الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ 2015، وخطة العمل الشاملة المشتركة (أو الاتفاق النووي الإيراني).. كانت أكثر إثارة للجدل بكثير، وقوبلت بمعارضة واضحة من قبل كثير من حلفاء الولايات المتحدة في «الناتو».
في الأمم المتحدة، أشاد ترامب بكلٍ من كوريا الشمالية والجنوبية وبلدان الخليج العربية والأردن ومصر، واعتبر أنه كان محقاً في نقل مقر السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وفي ما يتعلق بمواضيع الشرق الأوسط الأوسع، كرّر تهديداته باستخدام القوة العسكرية في حال استخدمت سوريا وحلفاؤها أسلحة كيماوية ضد مواطنيها. ولئن لم يندّد بدور روسيا في دعم الأسد، فإنه أولى اهتماماً خاصاً لإيران وانخراطها في تدخلات عسكرية عبر المنطقة. وقد خصص حيزاً لمهاجمة إيران أكثر من أي بلد آخر، بينما لم يقم بأي إشارة إلى تدخل روسيا في أوكرانيا، وتدخلها في الانتخابات الغربية، ومسؤوليتها عن محاولة الهجوم باستخدام السم على أحد جواسيسها السابقين في انجلترا.
وعلاوة على ذلك، برّر ترامب قراره فرض رسوم جمركية على العديد من شركاء أميركا التجاريين التقليديين، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا وكندا والمكسيك. ولئن كان الكثير من الأميركيين يعتقدون بالفعل أن الصين لم تمتثل للقوانين في علاقاتها التجارية، فإنه حتى بعض المحافظين يعتقدون أن إشارة ترامب للرسوم أحادية الجانب تُمثل سياسية خطرة وقد تكون مكلِّفة للغاية.
المراقبون خرجوا من الجمعية العامة يتساءلون حول ما سيحدث في حال تخلت الولايات المتحدة فعلاً عن دورها التقليدي كزعيم للعالم ذي أجندة ليبرالية واضحة. فلا بلد آخر في الوقت الراهن يمكنه أن يخلف الولايات المتحدة، هذا بينما تقوم الصين بخطوات كبيرة لزيادة وجودها وتأثيرها في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا. وتواصل روسيا العمل على إضعاف وحدة الغرب وإعادة فرض نفوذها في بلدان الاتحاد السوفييتي السابق. ولحسن الحظ، فإن البعض داخل فريق ترامب الأمني يدركون التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة، خاصة وزير الدفاع جيمس ماتيس. لكن لا أحد يعرف كم من الوقت سيبقى في منصبه بالنظر إلى المواقف المتغيرة للرئيس الأميركي.