انتخابات الأحد الماضي في بافاريا، التي أسفرت عن خسارة الحزب الحاكم والمهيمن، «الاتحاد الاجتماعي المسيحي»، لأغلبيته، تُظهر أن الأمور أخذت تتغير في المشهد السياسي الألماني، وأن التغيير لا علاقة له بموضوع الهجرة الذي عرف كثيراً من التهويل والمبالغة. كما تتيح هذه الانتخابات فرصة مهمة للمستشارة أنجيلا ميركل، التي عليها أن تكافح من أجل إكمال ولايتها، ولكنها تطرح لها أيضاً مخاطر جديدة. فمع أن الولايات الألمانية تتمتع بسلطات أقل مقارنة مع الولايات في أميركا، إلا أن انتخابات الولايات تعتبر مهمة للغاية، إذ فيها تقوم الأحزاب بتجريب البرامج الانتخابية، والتكتيكات، والتحالفات، وفيها تولد النجوم الوطنية. وإضافة إلى ذلك، فإن الناخبين فيها نشطون: فقد بلغت نسبة المشاركة في بافاريا يوم الأحد 72.4 في المئة، أي أقل بقليل فقط من الـ76.2 التي صوتت في الانتخابات الوطنية العام الماضي.
بافاريا، الولاية الألمانية التي تسجل أقل معدل بطالة في البلاد (2.8 في المئة مقارنة مع 5.1 في المئة على الصعيد الوطني)، وموطن شركات كبيرة وناجحة مثل «سيمنس» و«بي إم دبليو» و«أليانز إس إي»، تبرز وتتميز على هذه الخلفية. فهي، على سبيل المثال، الولاية الوحيدة التي لا يترشح فيها أقوى حزب في ألمانيا، «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، للانتخابات، حيث يعتمد بدلاً من ذلك على حليف محلي، «الاتحاد الاجتماعي المسيحي».
هذا الأمر منح «الاتحادَ الاجتماعي المسيحي» دوراً كبيراً غير متناسب مع حجمه في المشهد السياسي الوطني. وهو دور مهم في الائتلاف الحاكم الحالي برغم فوزه بأصوات في واحدة فقط من ولاية ألمانيا الـ16. وقد كان هذه السنة شريكاً كارثياً في الائتلاف. فمثلما أظهرت نتائج الانتخابات، فإن «الاتحاد الاجتماعي المسيحي» لم يحافظ على أغلبيته في بافاريا، حيث مالت قيادة الحزب إلى اليمين، من أجل تجنب خسارة الأصوات لحزب «البديل من أجل ألمانيا» المناوئ للمهاجرين. وقد أدى هذا التكتيك إلى محاولات زعيم «الاتحاد الاجتماعي المسيحي» هورست زيهوفر للحد من الهجرة، وتكثيف عمليات الترحيل.
الحزبان الآخران في الائتلاف الوطني كانا ضد هذا التكتيك، ولكنهما لم يكونا يستطيعان فعل شيء لأن زيهوفر شلّ الحكومة. وميركل لم تكن تستطيع طرده، لأنها كانت في حاجة إلى الحفاظ على تحالف «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» و«الاتحاد الاجتماعي المسيحي». وقد بدت ضعيفة، بل عاجزة. وهو ما كلّف «الاتحادَ الديمقراطي المسيحي» تراجعاً في الشعبية من الـ33 في المئة تقريباً التي حصل عليها في الانتخابات الوطنية في سبتمبر الماضي إلى ما بين 26 في المئة، و28 في المئة في الانتخابات الحالية، وهي الأدنى التي تسجلها القوة السياسية المنتمية إلى يمين الوسط على الإطلاق.
وإلى ذلك، أثبت الانتخابات أن تكتيكات «زيهوفر» شكّلت خطأً فادحاً، فبنسبة 10.2 في المئة من الأصوات فقط، كان أداء حزب «البديل من أجل ألمانيا» أسوأ مقارنة مع انتخابات العام الماضي الوطنية، عندما حصل على 12.4 في المئة في بافاريا، و12.6 في المئة على الصعيد الوطني. وقد خسر «الاتحاد الاجتماعي المسيحي» نحو 180 ألف صوت للحزب القومي، ولكنه خسر مثل هذا العدد لحزب «الخضر»، ومثله تقريباً لـ«الناخبين الأحرار»، وهو حزب محلي آخر يتبنى سياسات وسطية، ويركز على شؤون المجتمع.
وفي هذا الإطار، كتب سيراب جولر، العضو في القيادة الفيدرالية لـ«الاتحاد الديمقراطي المسيحي» على تويتر يقول: «إن الانتخابات في بافاريا ينبغي أن تشكّل درساً لكل من يريد أن يميل إلى اليمين بدلاً من الاعتماد على النجاح في الوسط السياسي»، مضيفاً «إن المرء لا يحارب الشعبوية بالشعبوية».
الرسالة من الناخبين البافاريين المحافظين كانت واضحة ومؤداها أن الكثيرين يفضلون أن يصوتوا لـ«الخضر» على أن يصوتوا لحزب مناوئ للمهاجرين، حتى وإنْ كان حزباً مألوفاً، وأن آخرين يريدون من السياسيين فقط أن يركزوا على المواضيع المحلية، مثل الشركات الصغيرة والنقل. ويُعتبر «الخضر» حالياً ثاني أقوى حزب في بافاريا بـ17.5 في المئة من الدعم، وقد فازوا بالانتخابات في ميونيخ، عاصمة الولاية، وهم يمثلون القوةَ السياسية التي يستطيع أن يُنشئ معها «الاتحادُ الاجتماعي المسيحي»، الفائز بـ37.2 في المئة من الأصوات، الائتلافَ الحاكم الأكثر شعبية، وإنْ كانوا يفضّلون «الناخبين الأحرار» كشريك. ويمكن القول إن موقفاً معتدلاً من الهجرة، واهتماماً أكبر بالشؤون المحلية والبيئة، كان سيمنح «الاتحاد الاجتماعي المسيحي» ربما نتيجة أقوى، من دون تقويض الائتلاف على الصعيد الوطني.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»