أقرّ السيناتور «الجمهوري» عن ولاية فلوريدا «ماركو روبيو» مؤخراً بأن النشاط البشري يفضي إلى زيادة في درجة حرارة الأرض، وأنه لابد من اتخاذ خطوات لتخفيف أثر التغير المناخي، لكن عندما سئل عن السياسات الملموسة، أكد أنه «لا يعتزم تقويض اقتصادنا».
غير أن ذلك يغفل سوء الفهم الكبير ليس فقط لكيفية عمل الاقتصادات، ولكن أيضاً لماهية الاقتصادات في حد ذاتها. ففكرة أن الاقتصادات عاجزة بصورة ما عن التخلص من التهديدات الموجودة تجافي التصور المنطقي والشائع: وهو أنه لا شيء على الإطلاق في بنية الكيان الذي نطلق عليه مصطلح «اقتصاد» يحول دون آليات محاربة ارتفاع درجة حرارة الأرض. وعلى النقيض من ذلك، فإن هذه الآليات متوافرة.
ويقترف «روبيو» خطأين كبيرين في هذه المسألة. فبداية، يعرف «اقتصادنا» بطريقة لا علاقة لها البتة «بنا». ثانياً: يزعم أنه لن يكون هناك بديل لتحسين الرفاهية الاجتماعية (ولا أقصد إجمالي الناتج المحلي، وإنما رفاهية الناس بشكل عام)، مع تعزيز الاستدامة البيئية في الوقت ذاته.
بيد أن «علم الاقتصاد المجرد» شديد الوضوح بشأن ضرورة السياسات التي تعوض التلوث. وفي الحقيقة، هذا المفهوم أساسي في علم الاقتصاد الكلاسيكي، الذي يضع الدلالات السعرية في جوهره. فإذا أخفقت أميركية ترمي النفايات وتسبب التلوث في تحمل تكاليف أفعالها، فإنها ستتسبب في «عوامل خارجية سلبية» تجعل الآخرين يتصرفون بدرجة أسوأ. والحل التقليدي هو «توجيه العوامل الخارجية» من خلال سياسات تعيد التكلفة مرة أخرى على عاتق الشخص، أو الشركة المسببة للتلوث.
وهناك طريقتان لفعل ذلك في هذا السياق هما: فرض ضريبة على الكربون ووضع قواعد لإنتاجه.
وكلا الحلين اللذان يتسقان اتساقاً كاملاً مع علم الاقتصاد النموذجي، لم يتم إنكارهما فحسب بسبب السياسات الراهنة، ولكن تم منعها بتعريف «روبيو» الخاطئ ل«اقتصادنا»، مثلما أكد السيناتور في تصريحه لبرنامج «حالة الاتحاد» المذاع على قناة «سي. إن. إن». وكأنه يقول: «لا يمكننا إنقاذ اقتصادنا لأن فعل ذلك سيدمره».
واهتدى أنصار الوضع الراهن إلى هذا «اللا منطق» بالخلط بين رفاهية الإنسان وإجمالي الناتج المحلي، ومن ثم تعريف كل شيء قد يؤدي إلى خفض إجمالي الناتج المحلي باعتباره «مدمراً». وبالطبع، هم مخطئون تماماً.
فأولاً: عندما نخفف على سبيل المثال من قوانين المياه النظيفة، فإننا نضيف إلى ربحية الشركات، وهو ما يزيد بدوره من إجمالي الناتج المحلي، لكنه في الوقت ذاته يقلص رفاهية المجتمع، مقارنة بأي سيناريو آخر يحمي مثل هذه الموارد. والأسوأ من ذلك، أنه عندما تقوّض الأعاصير الممتلكات بسبب تدمير المصدات الطبيعية (بعد أن عزز ارتفاع درجة حرارة الأرض من قوة العواصف)، فإن أية عملية إعادة إعمار تؤدي إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي.
ثانياً: حتى إذا كان علينا الإذعان أمام نمو إجمالي الناتج المحلي، فليس ثمة دليل على أن فرض الضرائب يؤدي إلى تقليص النمو بالضرورة. وفي الحقيقة، كان الاقتصاد الأميركي، تاريخياً، يحقق نمواً أسرع عندما تكون الضرائب المفروضة مرتفعة. وبوضوح، العلاقة هي مجرد ارتباط، وليست سببية، لكنها تسلط الضوء على ضرورة عدم قبول فكرة «أن الضرائب تقتل النمو».
ثالثاً: هناك عائد محتمل على النمو ستتمخض عنه الاستثمارات المستدامة، وفي الوقت الذي ننزوي فيه حول الرسوم الجمركية والحروب التجارية، تحاول الدول التي تتطلع إلى الأمام (وهي كثيرة) اكتشاف سبل للحصول على حصة من السوق العالمية للبطاريات التي تخزن الطاقة المتجددة. وحتى أي قانون بسيط مثل اشتراط تركيب أجهزة تنظيف صناعية في مداخن المصانع يؤدي إلى مزيد من التوظيف، وليس تقليصه.
وأخيراً: عندما يقول «روبيو»: «اقتصادنا»، فهو لا يتحدث عني وعنك، ومثلما أشار بول كروجمان في تغريدة له: «إن فكرة أن سياسات المناخ ستقوض (اقتصادنا) هي مغالطة ينشرها اليمينيون وأصحاب المصالح من الوقود الأحفوري». وسلّطت الصحافية الاستقصائية «جين ماير» الضوء على الأموال السوداء التي ضخها الأخوان «كوك» في السياسة، على نحو يُوضّح تماماً «عبارة روبيو».
ورغم ذلك، قد يعترض البعض بصورة منطقية على أنه بالنظر إلى أن الأسر ذات الدخل المحدود تنفق جزءاً كبيراً من دخلها على الطاقة، فإن فرض ضريبة على الكربون سيكون غير منصف لها، لكن هؤلاء يتجاهلون أن الأسر ذاتها لديها موارد ضئيلة لحماية نفسها من تداعيات التغير المناخي. لذا، لابد من صياغة سياسات تخصم جزءاً من الضريبة لمصلحة الأسر الأشد تضرراً منها.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»