استطاع تحالف القادة العمالقة الثلاثة في المشرق العربي، السادات وفيصل وزايد، خلال التحضير والتنفيذ لحرب أكتوبر 1973، إحداث أثر عظيم، ليس فقط في ساحة المعركة، بل أيضاً في معنويات الشعب العربي.
لقد تمكن العرب من خلال تحويل النفط إلى سلاح ضد كل من تحيز للمحتل الإسرائيلي في ميدان المعركة، من تصحيح مسار دول أوروبا لتأخذ موقفاً أكثر عدلاً في قضية احتلال إسرائيل للأرض العربية في سيناء والجولان والضفة الغربية. يقول نائب السفير المصري في بلجيكا إنه كان شاهداً على ما دار في الاجتماع الذي طالبت به أوروبا مع وزراء النفط العرب، بعد أن أثَّر عليها سلاح قطع النفط لدرجة ظهور العربات التي تجرها الأحصنة لنقل الناس، بعد أن توقفت السيارات. يوضح الدبلوماسي المصري أن العرب أوفدوا وزيري البترول السعودي أحمد زكي يماني، والجزائري عبد السلام بلعيد إلى مقر السوق الأوربية المشتركة، بناءً على طلب أوروبي، وأن الوزراء الأوروبيين تهافتوا على حضور الاجتماع مع الوزيرين العربيين، وقررت السوق الأوروبية عقد اجتماع موسع معهما. ويضيف نائب السفير المصري: كنت جالساً بالقرب من نائب رئيس السوق الأوربية، ففاجأني بقوله: «لقد تعلمنا منكم الدرس في أوروبا ولن يتكرر أبداً».
تلك شهادة دبلوماسي مصري تدل على الأثر الهائل الذي أحدثه سلاح النفط في سياسات الانحياز الأعمى للاحتلال الإسرائيلي في أوروبا وأميركا بفضل جسارة وتصميم الزعماء العرب الكبار في المشرق على استخدام القوة العربية الشاملة لتغيير الموقف الدولي في حينه.
كان لدى قادتنا العظام الشعار العبقري، سلس الفهم عميق المعنى، والذي أطلقه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والمصاغ بإيجاز بليغ ومحكم لغوياً ودال بقوة على فحواه، والذي يقول «وما النفط العربي بأغلى من الدم العربي». هذا الشعار تبنّته وعملت به أيضاً الدول العربية النفطية الأخرى في جناح الأمة المغربي بقيادة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين.
وأيضاً كان هناك تصميم قوي لدى ثلاثي الزعماء العظام على استخدام كل الموارد العربية، من رجال وسلاح وأموال، طبقاً لضرورات النصر ومسار المعركة الحربية لإرغام المحتل على قبول مبدأ الأرض مقابل السلام.
وجاء النصر العسكري كاملا للعرب في المعركة خلال أيام الحرب الأولى على جبهتي سيناء والجولان، إلى أن تدخلت أميركا، دعماً للجيش الإسرائيلي بالجسر الجوي، فاستل العرب سلاح النفط من غمده وأشهروه في وجه المعتدي والمنحازين له.
لم يكن الهدف دموياً ولا تدمير دولة إسرائيل، وإنما كان هدفاً سياسياً سامياً، وهو إرغام المحتل الإسرائيلي على الاستجابة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 والصادر في نوفمبر 1967، والذي ينص على عدم جواز الاستيلاء بالقوة على أراضي الغير في أحد بنوده الموجهة لإسرائيل، وينص في بند آخر موجه للعرب على ضرورة الاعتراف بوجود كل الدول في حدود آمنة معترف بها، وهو بند يعني مع الأول تطبيق معادلة الأرض العربية مقابل الاعتراف بإسرائيل.
لقد قضى العرب في تلك الحرب الدفاعية على حالة جنون العظمة التي استولت على عقل المحتل بعد انتصاره في يونيو 1967 وظن معها أنه أنشأ إمبراطورية فأرغموه على الدخول في عملية السلام، بعد أن كان يرفض كل النداءات من الرئيس السادات للسلام، والانسحاب من الأرض المحتلة.