امرأتان في أفريقيا غير العربية حملتا اسم «المرأة الحديدية»، إحداهما «إيلي سير ليف» رئيسة الجمهورية في سيراليون (2006-2012)، والثانية «دلاميني زوما»، رئيسة أمانة الاتحاد الأفريقي (2012-2017). وفي الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الحالي (2018)، أعلنت سيدة تقترب من شبه زميلاتها وهي «أُوبي أزيكويزيلي» عن ترشيح نفسها كرئيسة لنيجيريا في الانتخابات الرئاسية، التي ستجرى في فبراير القادم. والمغامرة الأخيرة تستحق التأمل لأنها تحمل جرأة على اقتحام حقل ألغام إزاء قوة المتنافسين الرئيسين التي تدخل بينهما «أوبي» أحدهما رئيس الجمهورية الحالى «بوخاري»، والثاني مليونير نيجيري هو «أتيكو أبو بكر» إلى جانب تسعة من الأقوياء الآخرين...
وهنا ينشأ السؤال: ما الذي يدفع النساء الأفريقيات في العقد الأخير تقريبا ليَسْعَين إلى هذه المناصب عموماً، ونجاح بعضهن إلى حد الوصف بـ«المرأة الحديدية»، وهي السمة التي حملتها «تاتشر» رئيسة وزراء بريطانيا منذ عدة عقود وتكاد تحملها «ميركل» في ألمانيا؟ رغم القول بأن أول امرأة حصلت على منصب الرئاسة الأفريقية كانت في دولة متواضعة مثل «غينيا بيساو»، لعدة أيام فقط عام 1984...فإن الإحصاء يبدأ برئاسة «إيلي سيرليف» رئيسة سيراليون لمدة 12 عاماً (2006-2018) بعد الصراعات المسلحة التي أهلكت البلاد والعباد في غرب أفريقيا، فتستطيع هذه المرأة أن تحقق المصالحات، وتُفَعِّل آليات الاستقرار عقب فترة من حكمها على الأقل.
أما «دلاميني زوما»، المرأة الحديدية الأخيرة، فقد خاضت صراعاً لتحصل على منصب رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي «(أمانته) من (2012 – 2017) ولتديره بقوة غير منكورة، ثم تنتقل إلى بلدها مضحية بالتجديد الممكن لها في الاتحاد، لتخوض معركة الرئاسة في جنوب أفريقيا، بشرط أن تقود حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أولًا. ولكنها لم توفق لشدة الصراع بين القادة القدامى
(مبيكي – راما فوزاً- وخلصاء مانديلا من قبله).
لن نتوقف كثيراً عند حالة «مالاوى»، ورئيسات الوزارة في مدغشقر وموريشيس..الخ، أو التطلع للرئاسة المغامرة أيضاً في «زيمبابوي» (زوجة موجابي)، هنا سيسأل القارئ قبل أن نأتي إلى الحالة النيجيرية، لماذا في هذا العقد، وليس قبله بكثير بدأت الشعوب الأفريقية تتجه إلى خيارات «المرأة الرئيسة» من دون حساسية أو الهجوم على المرأة مثلما تفعل الشعوب العربية أحياناً في الشمال الأفريقي. لابد أن يتفهم القارئ أن وضع «الماما» في التاريخ الأفريقي، أتاح لها، السوق والحكم مبكراً كجزء من تقاليد غير متعنتة، وأنه حتى عصور حكم الزعامات الكاريزمية (نكروما – ناصر –سيكوتورس- أو نيريري) لم تشهد تشدداً مضاداً مثل ذلك الذي تواجهه المرأة العربية أو الآسيوية، كما أن السلطة المشار إليها كانت مرتبطة بالتحديث، وموجة التحرر الوطني الأولى بعد باندونج (55/1975) مما أتاح فرص التعليم والعمل، وهيّأ المرأة للطموح إلى المناصب العليا، والتصاعد في البرلمانات، والحكم المحلي في معظم الدول الأفريقية، بينما كان الجهد في بناء صورة السيدات الأول في مناطق أخرى. وكان لابد أن تبقى دولة التحرر الوطني كمنتج للطبقة الوسطى التي تُصَعِّد المرأة في الحالات المذكورة. وقد خلق ذلك في مطلع هذا القرن ما يعتبر تطوراً ديمقراطياً، كان نتيجة أيضاً للحركات والانتفاضات الشعبية...ولكن مفاجأة المائتي مليون نيجيرِيّاًّ، بترشيح السيدة «أوبي» ما زالت تبدو غريبة، وإن شجعتها عوامل أخرى في البنية التقليدية للانتخابات والديمقراطية التي نسمع عنها في نيجيريا. فهناك قوتان تتبادلان السلطة منذ عشرات السنين إحداهما أحزاب الشمال، والأخرى أحزاب الجنوب، ويتحكم العسكر عادة في الشمال، بينما يميلون في الجنوب إلى اقتسام السلطة، كما يدخل المال عنصراً قوياً بدوره من ثروة البترول، وأنماط الفساد وراء سرقاته، إلى التجارة في سوق كبير مثل نيجيريا، ولذا يترشح «محمد بوخاري» بثقة عن الشمال، ورغم أن الآخر (أتيكو أبوبكر) من الشمال أيضاً لكنه يعتمد على دعم الشخصيات القوية في الجنوب مثل (الجنرال أوباسانجو). لكن السيدة «أوبي» شقت الصفوف بقيادتها لحملة عاطفية منذ وقت مبكر، لتحرير بنات «شيبوك» المحجوزات عند الإرهابيين (ويجرى تحريرهن تدريجياً).
ومن هذه الحملة، وفقر حملتها الانتخابية نفسها تطلق الشعارات حول الطبقة الحاكمة الشريرة، وتعتمد على الشباب، وعلى شعار خاص هو «الأمل» وفق نظام حملة «أوباما» أو حتى «ترامب»!، بل إن البعض يضيف للعوامل السابقة، أن المرشحين القويين كلاهما من مسلمي «الفولا» في منطقة «أداماوا، شمال نيجيريا، مما يفقدهما الكثير الذي تراهن عليه «أُوبي».
المرأة الأفريقية هنا تدخل عالمًا سياسياً، وتخترق عالم العسكريين والمليونيرات وليس عالم الصراعات المحلية، والتقاتل الطائفي أو القبلي مثل معظم الحالات السابقة. ويبدو أن الشعوب قد ملّت نغمة الصراعات الداخلية، أملاً في الإصلاح. وتصفية الفساد، والحكم بمنطق عقلاني، والوعد بصلات دولية لجلب الخيرات أيضاً. وليس صدفة أن رئيسة سيراليون سيرليف، والمرشحة النيجيرية كانتا قبل الترشح مباشرة من قيادات البنك الدولي.