خطيرة تلك الأرقام التي نشرتها مؤخراً مؤسسات دولية مختصة، والتي أكدت أن عدد الكوارث الطبيعية في العالم ارتفع إلى نحو 400 أزمة أو خطر جسيم على صلة بالمناخ عام 2017، بينما كان يقدر عددها خلال السبعينيات بما بين 80 و100 سنوياً. وتدل هذه الأرقام المخيفة على تضاعف الكوارث الطبيعية أربع مرات بسبب الاحترار المناخي، وربما تنجم عنها مخاطر المجاعة والنزوح الجماعي.
وعلى هامش مؤتمر في جنيف بشأن الأثر الإنساني للاحترار المناخي، حذر مسؤولون بارزون في المنظمات الإنسانية من مخاطر النزوح والمجاعة حال عدم اتخاذ التدابير اللازمة لاحتواء الارتفاع في معدلات الحرارة. وقال غيرنوت لاغاندا المكلف بشؤون مخاطر الكوارث المتصلة بالمناخ في برنامج الأغذية العالمي، إنه في حال شهد معدل درجات الحرارة في العالم ارتفاعاً بواقع درجتين مئويتين، سيعاني 189 مليون شخص إضافي من انعدام الأمن الغذائي. وأضاف: «في حال كان الارتفاع بمعدل أربع درجات مئوية، سيتخطى عدد هؤلاء الأشخاص المليار‏». ?وذكر ?لاغاندا ?بأن ?الأزمات ?المناخية ?تتسبب ?بنزوح ?22,5 ?مليون ?شخص ?سنوياً، ?وأنه كان ?لها ?أثر ?كبير ?على ?البلدان ?المضطربة ?مثل ?سوريا ?واليمن ?والكونغو ?الديمقراطي.
وفي تقرير نشر منذ أيام، دعا الخبراء في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى تحولات «سريعة» و«غير مسبوقة» لبلوغ الهدف المحدد في اتفاق باريس المناخي بحصر الاحترار بدرجة مئوية ونصف الدرجة.
زد على ذلك أن وتيرة وحجم التغيرات المناخية الشاملة على المدى الطويل تؤدي إلى تأثيرات هائلة على الأنظمة الحيوية الطبيعية، ?وذلك ?بسبب ?رفع ?النشاط ?البشري ?لنسب ?الغازات ?الدفيئة ?في ?الغلاف ?الجوي ?الذي ?بات ?يحبس ?المزيد ?من ?الحرارة. ?فكلما ?اتبعت ?المجتمعات ?البشرية ?أنماط ?حياة ?أكثر ?اعتماداً ?على ?الآلات، ?احتاجت ?إلى ?مزيد ?من ?الطاقة. ?وارتفاع ?الطلب ?على ?الطاقة ?يعني ?حرق ?المزيد ?من ?الوقود ?الأحفوري، ?وبالتالي ?رفع ?نسب ?الغازات ?الحابسة ?للحرارة ?في ?الغلاف ?الجوي.
ولا غرو أن هناك غضباً من كل الفاعلين الدوليين ذوي النوايا الحسنة بعد التراجع الكبير والمؤسف عن الاتفاقيات المبرمة في السنوات الأخيرة لصالح البيئة ومستقبل الكون والبشرية، خاصة بعد قرار الإدارة الأميركية الحالية الانسحاب من الاتفاقية الدولية للمناخ، وهو غضب مشروع لأن المجهودات الدولية التي تابعناها منذ أزيد من عقد من الزمن، والتي كان أبطالها أفراداً دوليين نافذين ومنظمات دولية ومؤسسات حكومية وغير حكومية، ومنظمات أهلية، وصرفت فيها مليارات الدولارات وشهدت مفاوضات شاقة، قد توقفت أو قد تتوقف ولو بعد حين، بسبب الانسحاب التدريجي لأقوى الدول وأكثرها تلويثاً للبيئة لأنها غير مستعدة لإعادة هيكلة صناعاتها وطريقة عيشها، ولأنها تفكر في أصوات الناخبين واللوبيات الصناعية النافذة.
الاتفاق كان قد وقعت عليه 194 دولة، وبموجبه يتعهد المجتمع الدولي بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها «دون درجتين مئويتين»، قياساً بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وبـ«متابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1,5 درجة مئوية‏». ?وهذا ?يفرض ?تقليصاً ?كبيراً ?لانبعاثات ?الغازات ?المسببة ?للاحتباس ?الحراري، ?عبر الحد ?من ?استهلاك ?الطاقة ?والاستثمار ?في ?الطاقات ?البديلة ?وإعادة ?تشجير ?الغابات.
كل هذه البنود التي سطرت في باريس ثم مراكش، لم تعد ذات جدوى، لأن النظام الدولي الحالي تغير مع وصول الرئيس ترامب إلى الحكم. فكل المحللين الاستراتيجيين يرون أن دول العالم الموزعة بنمط يشبه لعبة الشطرنج المعقدة، تبني استراتيجيتها وفقاً لقاعدة «بلادي أولاً» و«مصلحة بلادي الاقتصادية أوًلًا»، تماشياً مع سياسة ترامب «أميركا أولا» و«مصلحة أميركا الاقتصادية أولاً»، والتي تتعارض مع كل القيم الاستراتيجية المشتركة التي جمعت كل رؤساء الولايات المتحدة في المائة سنة الأخيرة. بمعنى آخر فإن العلاقات الدولية تغيرت نحو الأسوأ في كثير من تجلياتها، كما أن السياسات الحمائية والانكماش الاستراتيجي والتغيير التكتيكي.. غيرت الكثير من الأمور؛ من نظرة الدول العظمى لمصالحها، إلى تعاملها مع النظام العالمي الجديد ما يجعل أكثرية الاتفاقيات الدولية حول المناخ في مهب الريح.