في السنوات الماضية، صدرت تقارير ودراسات عديدة تتحدث عن ابتعاد الجيل الشاب من يهود الولايات المتحدة الأميركية عن إسرائيل، وعن إحساس متنام لدى أوساط في هذا الجيل بتزايد ضعف الشعور بوجود روابط قوية تجاه الدولة الصهيونية، بل إنه منذ فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، كثُر التحذير من التباعد المتسارع، بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة ضد الفلسطينيين، وتحالف حكومة اليمين المتطرف بزعامة بنيامين نتنياهو مع اليهود الحريديين المتشددين دينياً ضد التيارين الإصلاحي والمحافظ اللذين تنتمي إليهما الغالبية العظمى من يهود أميركا.
ومؤخراً، نشرت صحيفة «هآرتس» تقريراً أظهر كيف أن هذا التباعد آخذ بالاتساع، ليشمل آباء وأجداد هذا الجيل الشاب أيضاً. وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن الخبير في العلوم السياسية «دوف فاكسمان» قوله: «خلال السنتين الأخيرتين قمت بإلقاء محاضرات كثيرة، وفي تقديري أن 90% من مستمعيّ هم يهود أميركيون كبار في السن. لقد تعالت المشاعر السلبية نفسها في كل مكان». وأشار فاكسمان إلى وجود «تغيير جوهري بين اليهود الأميركيين في الوقت الحالي»، قائلاً: «لقد لاحظت تحولات أكبر بين اليهود الأميركيين، فنصفهم تقريباً (48%) لا يؤمنون بأن حكومة إسرائيل تبذل جهداً صادقاً من أجل التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين». وختم: «منذ فترة طويلة، كان هناك أناس قلقون من سياسة إسرائيل وممارساتها تجاه الفلسطينيين، لكنهم لم يكونوا قادرين على التحدث عن ذلك. كانوا يشعرون بأنهم وحيدون، وفجأة شعروا بأن العبء زال عنهم».
من جانبه، يقول ريتشارد طاوب، المحاضر المتقاعد من جامعة شيكاغو: «إنني من عائلة كان شعور أفرادها قوياً جداً بأن إسرائيل هي مكاننا، إلا أنني الآن، ومعي عدد كبير من اليهود الأميركيين كبار السن، يتزايد غضبنا وتتنامى عدائيتنا تجاه سياسة إسرائيل الحالية التي أصبحت متغطرسة أكثر واليمين مسيطر فيها أكثر أيضاً. أعتقد أن ما يمارس في الضفة الغربية قريبٌ من العمل الجنائي، وأعتقد أيضاً أن ائتلاف نتنياهو مع المتشددين (الحريديين) بائس للغاية. وأعتقد أنهم يقودون إسرائيل إلى اتجاه سيئ جداً».
أما الرئيسة السابقة لكنيس المحافظين في نيو جيرسي، ونائبة رئيس منظمة «شعبنا» الصهيونية، «تعومي كولتون -ماكس»، فأكدت أن دائرة المعارضة لإسرائيل بين اليهود الأميركيين آخذة بالاتساع، قبل أن تضيف: «صحيح أنه توجد جالية ستدافع عن إسرائيل مهما حدث، لكني أعتقد أن أُناساً مثلي، أبناء 50 عاماً، باتوا يشكلون مجموعة أكبر مما كانت في الماضي. والسؤال الحقيقي هو: ماذا سيفعل هؤلاء؟ ربما سيفكون ارتباطهم مثلهم مثل كثير من أبناء الـ30 عاماً الذين ابتعدوا عن إسرائيل».
بل إن التباعد وصل إلى داخل «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية «أيباك»، اللوبي الأكثر دعماً لإسرائيل، حيث كتب داغلاس بلومفيلدن، الناشط في «أيباك» (داغلاس بلومفيلدن): «اليهود الأميركيون خائبو الأمل من إسرائيل التي اتجهت نحو اليمين بشكل متطرف وتخضع لسيطرة الحريديين والقوميين بشكل متطرف، وهم أيضاً خائبو الأمل من إسرائيل التي يوجهها رئيس حكومة لا يتمتع بأي كاريزما، ولعل الأمر الأكثر وضوحاً هو أن إسرائيل ترفضهم لأنهم ليسوا يهوداً بالقدر الكافي».
كما حذّرت الباحثة في «معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي»، التابع لجامعة تل أبيب، الدكتورة سارة فوير، من تراجع دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، نتيجة تحولات عميقة داخل المجتمع الأميركي نفسه. وخلافاً لما هو شائع في إسرائيل، تحذِّر «فوير» من تعويل تل أبيب على الجماعات المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة، وتوضح أن قوة هذه الجماعات في تراجع، وتوصي بالاهتمام بتطوير العلاقات مع أوساط أميركية أخرى. وتضيف: «استناداً إلى استطلاعات الرأي الأخيرة، هناك تراجع في دعم إسرائيل لدى عدة أوساط، كاليهود غير الأرثوذوكس».
وفي سياق متمم، حذّر رئيس الكونغرس اليهودي العالمي الملياردير اليهودي الأميركي «رون لاودر»، وهو أحد كبار الداعمين لإسرائيل في أوساط اليهود الأميركيين، من أن «المصادقة على قانون القومية وأحداث أخرى حدثت في إسرائيل مؤخراً، تعرِّض للخطر علاقاتها مع يهود الولايات المتحدة. إن حكومة إسرائيل تقوم بأعمال تدميرية، وأخشى في المستقبل غياب مؤيديها أمام حركة المقاطعة ضدها في الولايات المتحدة».
وبادر «لاودر» إلى تعداد عدد من العناصر التي يراها تعرِّض للخطر مسألة استمرار تأييد إسرائيل في أوساط يهود الشتات بشكل عام ويهو أميركا بشكل خاص، مع التركيز على قانون القومية (الذي تم تبنيه مؤخراً)، وكتب يقول: «أحداثٌ تولِّد الانطباعَ بأنّ البعد الديمقراطي للدولة اليهودية يمر بفترة اختبار. إسرائيل يمكن أن تجد نفسها متماهيةً مع شبكة قيم محطمة ومع أصدقاء مشكوك فيهم. ونتيجة لذلك، فإن زعماء المستقبل للغرب سيكونون معادين أو غير مبالين تجاهنا. أما الدفاع عن الدولة أمام الجيل الشاب الأكثر ليبرالية في الغرب، فقد أصبح أكثر صعوبة بالنسبة لمؤيدي إسرائيل في العالم، وإن هذا الأمر يتحول أحياناً إلى مستحيل في أعقاب الخطوات التي تتخذها حكومة إسرائيل». وحول ابتعاد جيل الشباب في الولايات المتحدة عن إسرائيل، قال لاودر: «إذا استمر هذا التوجه، فإن اليهود الشباب يمكن أن يتوقفوا عن التماهي مع دولة تميز ضد يهود غير أرثوذكسيين وضد أقليات دينية وضد المثليين. هم أيضاً يمكن ألا يحاربوا حركة (بي. دي. أس)، وألا يؤيدوا إسرائيل في واشنطن، وألا يقدموا لها المساعدة الاستراتيجية التي تحتاجها».