إلى أي مدى يمكن أن تؤثر خسارة الحزب الجمهوري الأغلبية في مجلس النواب في نفوذ الرئيس ترامب ومستقبله السياسي، خلال العامين الباقيين من فترته الرئاسية الأولى؟ السؤال مطروح منذ إعلان نتائج انتخابات منتصف المدة، التي أُجريت في 6 نوفمبر الجاري، وتضمنت استعادة الديمقراطيين الأغلبية في مجلس النواب.
يبدو ترامب واثقاً من قدرته على التعامل مع هذا التغيير، بعد أن احتفظ حزبه بالأغلبية في مجلس الشيوخ، بل نجح في تعزيزها بحصوله على مقعدين إضافيين، بل يباهي بهذه النتيجة لأن تراجع حزب الرئيس في انتخابات منتصف المدة معتاد في المجلسين معاً.
والأرجح أنه سيتمكن من إدارة العلاقة مع الكونجرس المنقسم. صحيح أن مهمته لن تكون سهلة، لكن الأمر لن يكون سهلاً بالنسبة للأغلبية الديمقراطية؛ فلن يتيسر لها تمرير تشريعات تريدها من دون إقناع جمهوريين في مجلس الشيوخ، لكنها تستطيع عرقلة تشريعات يرغب فيها ترامب، خصوصاً في مجال فرض قيود على الهجرة، وربما تتمكن من عرقلة تمويل بناء الجدار الحدودي الذي يصر على إقامته مع المكسيك.
ولا يبدو ترامب قلقاً بشأن قدرة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب على فتح تحقيق في الاتهامات الموجهة له، سواء بشأن تمويل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أو بخصوص التدخل الروسي فيها. وقد لا يكون مجدياً فتح مثل هذا التحقيق مادامت الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ سترفض النظر في أي اتهام ينتج عنه في مجلس النواب، الأمر الذي يضع سقفاً منخفضاً للتهديد الذي يتعرض له ترامب في هذا المجال.
وربما لا يكون مجدياً، كذلك، فتح مثل هذا التحقيق لمجرد مناكفة ترامب، أو لمحاولة إضعاف مركزه في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2020، لأنه قد يصبح سلاحاً ذا حدين يصيب من يستخدمه، وليس من يُستخدم ضده فقط.
لكن أهم ما تدل عليه نتيجة انتخابات منتصف المدة أن طريق ترامب إلى فترة رئاسية ثانية ليس سهلاً أو مُمهداً. ولعل أهم ما يتعين تأمله في هذا المجال أن توجهات ترامب المتشددة تجاه الهجرة والمهاجرين، ومخاوف فئات اجتماعية عدة في المجتمع الأميركي منها، دفعت قطاعاً من الناخبين الذين لا يشاركون في الانتخابات إلى الاقتراع، وأتاحت للديمقراطيين تعبئة كثير من المعارضين لتلك التوجهات. لذا، ربما تتوقف فرصته في الانتخابات الرئاسية القادمة على مدى جديته، وفريقه، في التعاطي مع هذه المعضلة التي تعد جزءاً من الحاجز الذي يفصله عن الأقليات، وغيرها من الفئات التي تخشى أن تؤدي سياساته إلى ارتداد عن التقدم الذي حققته الولايات المتحدة في مجال التنوع الثقافي بمختلف أشكاله العرقية والدينية واللغوية، وغيرها.
لقد كان ترامب مدركاً، فيما يبدو، أن تأثير هذه المعضلة في انتخابات مجلس النواب أقوى منه في مجلس الشيوخ. ولذا، توقع أن يُمنى الجمهوريون بخسارة في مجلس النواب، لكنه عندما تحدث عن هذه الخسارة في تجمع انتخابي في هنتنجتون غرب فلوريدا في 5 نوفمبر، لم يبد قلقاً بشأنها، وأغفل أن انتخابات مجلس النواب، التي أُجريت على أعضائه كلهم (435 عضواً) أكثر دلالة على اتجاهات الناخبين من انتخابات مجلس الشيوخ التي اقتصرت على 35 فقط من أعضائه المائة.
غير أنه لدى ترامب الوقت الكافي لاستيعاب الدرس الكامن في هذه الانتخابات، وهو أن التركيز على قضايا المهاجرين أكثر من الاقتصاد أفقده قطاعاً من الناخبين. فقد اختار ترامب دعم مرشحي حزبه الجمهوري عبر حملة «سلبية» ركزت على التخويف من المهاجرين واللاجئين، بدلاً من إطلاق حملة «إيجابية» تركز على الإنجاز الاقتصادي خلال النصف الأول من فترته الرئاسية. والمدهش أنه كان منتبهاً لذلك، بل تحدث عنه صراحة في مهرجان انتخابي في فرجينيا وقال: «إنهم يسألون لماذا لا أتحدث عن الاقتصاد، وأهتم بالهجرة غير القانونية.. وأقول إنني أستطيع الحديث في الاقتصاد، لكن الكلام عنه ليس حماسياً».
تصور الرئيس الأميركي أن خطابه الشعبوي، القائم على إثارة الحماس، ومخاطبة العواطف أكثر من العقول، هو الذي يضمن الفوز، وأعتقد أن ما حدث في الانتخابات الرئاسية يمكن تكراره في أي انتخابات، لكنه أخطأ التقدير، فخسر مرشحو حزبه في انتخابات النواب.