عندما أبلغت الولايات المتحدة روسيا يوم السبت بأنها تعلق رسمياً معاهدة الحد من الأسلحة النووية التي كانت تشكل حجر الزاوية في الأمن الأوروبي لثلاثة عقود، كان الأمر أكثر من زوال اتفاق حقبة الحرب الباردة.
كما كان الانسحاب الأميركي من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى (I.N.F)، التي وقعها الرئيس رونالد ريجان والأمين العام للاتحاد السوفييتي ميخائيل جورباتشوف عام 1987 أيضاً، علامة على تلاشي اهتمام أكثر قوتين نوويتين في العالم باتفاقيات الحد من الأسلحة على نطاق واسع. لم تفعل روسيا برئاسة فلاديمير بوتين سوى القليل في السنوات الأخيرة لمعالجة المخاوف الأميركية، والتي بثتها لأول مرة إدارة الرئيس أوباما، بشأن قيامها بنشر لصاروخ كروز تم إطلاقه من الأرض، والذي قالت الولايات المتحدة إن روسيا أطلقته في عدم امتثال بالمعاهدة. وبالفعل، لم يضيع بوتين وقتاً لإبلاغ الولايات المتحدة يوم السبت بأنه، رداً على الإجراء الأميركي، فإن روسيا أيضاً ستعلق مشاركتها في المعاهدة.
ومن جانبها، أثارت الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب مخاوف روسيا إزاء النوايا الأميركية من خلال الانسحاب من عدد من الاتفاقات متعددة الأطراف، بما في ذلك الاتفاق النووي الإيراني، سعياً إلى التفوق في أنظمة الصواريخ التي تُطلق من البحر والجو، وأنها تتحدث عن تطوير جديد لصاروخ كروز أرض –جو.
ويرى خبراء الحد من الأسلحة أن انتهاء معاهدة القوى النووية متوسطة المدى في حد ذاته لا يعني بالضرورة نهاية الجهود الرامية إلى الحد من الأسلحة النووية على نطاق واسع. ولكن إذا تبين أن الانسحاب من هذه المعاهدة هو أكثر من انسحاب لمرة واحدة، وأنه بدلاً من ذلك هناك خطوة أخرى يتم اتخاذها على الطريق إلى عالم ما بعد الحد من التسلح، فإن الأمن العالمي سيكون في الواقع أكثر عرضة للخطر.
يقول «توماس كانتريمان»، وكيل وزارة الخارجية الأميركية السابق لشؤون الحد من التسلح والأمن الدولي: «إن مفترق الطرق هي كلمة مناسبة لوصف المكان الذي سيضعنا فيه هذا القرار. على المدى القصير يجب أن يكون التركيز على السؤال هل يمكن إنقاذ المعاهدة؟». وإذا لم يكن هذا ممكناً «فإننا سنحتاج على المدى المتوسط لمعرفة ما هي الخطوات التي يمكننا اتخاذها لحماية الأمن الأوروبي».
وأضاف أنه على المدى الطويل «سنرى ما إذا كان هذا سينذر بانتهاء نظام السيطرة على الأسلحة بالكامل والذي بُنِيَ قبل 50 عاماً». إن إخطار روسيا رسمياً بتعليق الولايات المتحدة للمعاهدة يطلق العنان لفترة ستة أشهر تستطيع روسيا خلالها إنقاذ المعاهدة من خلال الالتزام بها بطريقة ترضي الولايات المتحدة. (تصر روسيا أن الصاروخ أرض – جو الذي أطلقته لا يصل إلى نطاق يتراوح بين 500 -5500 كم – أو 300 – 3400 ميل -الذي تحظره المعاهدة.)
لكن إدارة ترامب ألمحت إلى أنها ستكون مهتمة فقط بإنقاذ معاهدة تم توسيعها لتشمل ليس فقط الولايات المتحدة وروسيا، بل أيضاً الصين ودول أخرى قامت بنشر صواريخ «كروز» متوسطة المدى. وستضم القائمة الهند وباكستان وإيران وكوريا الشمالية، ما يجعل الشرط الأميركي للتفاوض بشأن معاهدة جديدة للقوى النووية متوسطة المدى أمراً صعباً في أفضل الأحوال. في الوقت الذي أبرمت فيه، كانت معاهدة القوى النووية متوسطة المدى يُنظر إليها باعتبار أنها تضع المعيار الذهبي لاتفاقيات مراقبة الأسلحة، حيث إنها كانت تحظر فئة كاملة من الأسلحة. بيد أن الخبراء يقولون إن الاختبار الرئيس الآن لما إذا كان عصر الحد من الأسلحة من خلال معاهدة قد انتهى سيكون مرتبطاً بما تقرره إدارة ترامب تجاه معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (معاهدة ستارت الجديدة)، وهي جوهرة أخرى في تاج الحد من الأسلحة الأميركية – الروسية.
ومن المقرر أن تنتهي «ستارت الجديدة»، التي تقضي بالحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية التي تمتلكها كل دولة عام 2021 إذا لم يتم تجديدها بحلول ذلك الوقت. ولن تكون المفاوضات الرامية إلى تمديد مثل هذه المعاهدة المعقدة بالأمر السهل وستتطلب عدة أشهر إن لم يكن سنوات، بحسب ما يرى محللون، في الوقت الذي تقل فيه الثقة بين القوتين النوويتين، ولا يوجد ما يدل على الحماس من جانب الولايات المتحدة لتخفيض الترسانات. يقول «ألكسندر فيرشبو»، السفير الأميركي السابق لدى روسيا والناتو: «يتعين على إدارة ترامب أن تحسم رأيها هذا العام بشأن «ستارت الجديدة»، سواء كانت تنوي تعديلها، أو ببساطة التخلي عنها». إن عالماً من دون معاهدة «القوى النووية متوسطة المدى» و«ستارت الجديدة» يستحضر سيناريو مروعاً للمدافعين عن الحد من التسلح. فهم يرون أن صعود «روسيا الراغبة في الانتقام»، والتوترات المتصاعدة في آسيا، وتنامي قوة الصين، ستجعلنا في عالم سيكون عرضة لسباق تسلح جديد، لكنه لن يكون هذه المرة مقصوراً على أكبر قوتين نوويتين.
 
هوارد لافرانتشي

*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص«كريستيان ساينس مونيتور»