خلال صيف عام 2017، بينما كان الرئيس دونالد ترامب يعد بـ«النار والغضب»، رداً على استفزازات كوريا الشمالية، وقد بدا أن المواجهة النووية أقرب مما كانت عليه منذ عقود، كان هناك شيء مضحك يحدث في الساحات الخلفية الأميركية. فقد أصبحت الملاجئ من القنابل النووية، التي كانت منتشرة في ذروة التوترات النووية الأميركية السوفييتية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مرة أخرى فجأة عنصراً ساخناً، ربما لأن بعض الأميركيين يتذكرون الصور المتكررة لسحابة عيش الغراب وتدريبات الانفجار النووي في الفصول الدراسية في شبابهم.
ومنذ ذلك الحين، هدأ خطاب ترامب بينما تحول «كيم جونج اون» من كونه العدو الأول إلى رفيق القمة في بعض الأحيان. وبعد اجتماعين بين الزعيمين، لا يبدو أن الحريق النووي الذي بدأته بيونج يانج يمثل تهديداً وشيكاً، رغم أن القمة الأخيرة في فيتنام (أواخر فبراير الماضي)، انتهت إلى طريق مسدود بشأن ترسانة «كيم» النووية. ونتيجة لذلك، خفّت حدة الاهتمام المتزايد بمخابئ الفناء الخلفي المخصصة للحماية من الآثار النووية.
لكن رغم تهدئة العلاقات التي لا تزال معقدة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، ربما يجد بعض الأميركيين أن اهتمامهم بهذه الملاجئ يبدأ مجدداً. ومع انسحاب الولايات المتحدة وروسيا من نظام الحد من الأسلحة الذي كان يحظر بعض أنظمة الأسلحة ويخفض مخزونها النووي، يبدو في الأفق تهديد من سباق جديد. وفي هذه المرة، لن يكون فقط أكبر قوتين نوويتين، ولكنه قد يمتد إلى الصين وغيرها من القوة النووية الأقل، وربما بعض الأعضاء الجدد في النادي النووي.
لقد كان اندلاع التوترات الأخيرة بين الهند وباكستان بمثابة تذكير بأنه حتى النزاعات بين الخصوم الإقليميين يمكن أن تشكل تهديداً عالمياً عندما تكون لدى الخصوم أسلحة نووية. وقد انتشر تحذير متزايد في جميع أنحاء آسيا، مع قيام الصين التي تزداد قوة، بتمديد ترسانتها النووية ونشر صواريخ حول محيطها بوتيرة منحتها أكبر ترسانة صاروخية في العالم.
وإلى ذلك، فإن ظهور مخاطر الأمن السيبراني وشبح القوى النووية التي تخترق ترسانات الخصوم وتسيطر عليها، يضيف عنصراً جديداً من عدم اليقين وعدم الاستقرار إلى الآفاق المقلقة لعالم ما بعد الحد من الأسلحة.
ولا تزال الولايات المتحدة وروسيا، اللتان تمتلكان معاً أكثر من 90 في المئة من الأسلحة النووية في العالم، هما مَن يحدد الوضع. ويبدو أن العملاقان النوويان يفككان، تدريجياً، نظام السيطرة على الأسلحة الذي حدّ من نشرهما لأسلحة جديدة وجعلهما يحدان من مخزونات الأسلحة النووية خلال العقود الأخيرة. ولا يتمثل الخطر فقط في أن أكبر قوتين نوويتين تعودان إلى سباق التسلح، بل في كون الدول الأخرى تستجيب للتوترات المتصاعدة من خلال الانضمام إلى الحشد.
ويقول الخبراء إن اليابان التي هزها الحشد النووي المتزايد، لديها التكنولوجيا والمواد اللازمة «لأن تصبح نووية» في غضون أشهر، بينما تم إحياء شبح سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط من خلال جهود إدارة ترامب لبيع تكنولوجيا نووية لبعض الدول لاستخدامها في صناعة قنبلة نووية. يقول «جوزيف سيرينسيون»، وهو خبير في السياسة النووية، «إننا نهدم الركائز الأخيرة لبناء الحد من الأسلحة الذي وفر لنا درجة من الأمن والاستقرار طوال خمسة عقود. وإذا قررت الدول الصغيرة والمتوسطة أن تحذو حذو الدول الكبيرة، فلتستعدوا أيها السادة للسباق».
بعد التلميح لعدة أشهر، أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى (أي إن إف)، التي حظرت منذ عام 1987 نشر جميع الصواريخ الباليستية والصواريخ النووية متوسطة المدى وصواريخ الكروز في أوروبا. وتعد هذه من أكثر أنظمة الأسلحة التي تزعزع الاستقرار نظراً لقصر الوقت الذي تستغرقه بين الإطلاق والوصول للهدف (نحو ست دقائق).
وقالت الولايات المتحدة إنها تنسحب من المعاهدة بسبب الانتهاكات الروسية. وبينما يوافق خبراء الحد من الأسلحة على أن روسيا تنتهك المعاهدة منذ خمس سنوات، يقول معظمهم إن الانسحاب الأميركي أعطى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين نصراً سياسياً مزدوجاً؛ ذريعة لتحرير موسكو من قيود المعاهدة، وإلقاء اللوم في إبطالها على واشنطن.
وفي الواقع، لم يضيع بوتين وقتاً، حيث ذكر في خطاب أمام أعضاء مجلس الدوما الروسي أنه إذا قامت الولايات المتحدة بنشر صواريخ متوسطة المدى في أوروبا، فإن روسيا لن تفعل نفس الشيء فحسب، بل ستنشر صاروخها «زركون»، الذي تفوق سرعته سرعة الصوت، لاستهداف «تلك المناطق.. حيث يتم اتخاذ قرارات باستخدام نظم الصواريخ التي تهددنا»، وهو يعني، بالطبع، الولايات المتحدة.
والأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لكثيرين في مجتمع الحد من الأسلحة، داخل وخارج الحكومة وبين حلفاء أميركا، هو ما يعقب زوال «أي إن إف». والبيت الأبيض الذي تولى منصبه وسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، يناقش الآن ما إذا كان سيقوم بتمديد معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الجديدة (ستارت الجديدة) مع روسيا بعد انتهاء صلاحيتها في عام 2021.

ينشر بترتيب خاص مع «كريستيان ساينس مونيتور»