في 14 يناير 2018 دخل المغرب مرحلة جديدة ب «تعويم» عملته الوطنية، وبدأ التحول من نظام صرف ثابت إلى مرونة تسمح للدرهم أن يتحرك بنسبة 5 في المئة فقط
(2,5 في المئة صعوداً وهبوطاً) على أمل أن يتم التوسع تدريجياً، للوصول إلى «التعويم» الكامل، تنفيذاً لنصيحة صندوق النقد الدولي، لتقوية مناعة الاقتصاد الوطني إزاء الصدمات الخارجية ودعم تنافسيته وتحسين مستوى نموه، وتمكينه من مواكبة التحولات الهيكلية، خاصة على مستوى التنويع والانفتاح والإندماج في الاقتصاد العالمي. وبعد مضي أكثر من سنة وثلاثة أشهر، ماهي نتائج تقييم هذه التجربة؟ ومتى ستبدأ المرحلة الثانية؟.. مع العلم أن بعض الخبراء يتوقع أن يتطلب الوصول إلى نظام «عائم» مدة طويلة قد تتجاوز 15 سنة، في وقت يستعجل فيه صندوق النقد الخطوات التنفيذية.
استند المغرب في قراره الذي تأجل عدة مرات، إلى تفاؤل المؤسسة المالية الدولية، خصوصاً بعد أن وفر له الصندوق خطوط ائتمان منذ عام 2012، بقيمة 17 مليار دولار، مع توقع البنك المركزي أن يحقق الاقتصاد المغربي نموا 3,5 في المئة العام الحالي، وارتفاع الدخل القومي إلى 137 مليار دولار عام 2022، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على تحسن الدخل الفردي بنحو 900 دولار.
وفي رأي المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، أن المرحلة الأولى من «التعويم» كانت «بيضاء» حيث تم استيعابها «سيكولوجيا»، وبقي الدرهم ثابتاً أمام الدولار واليورو. وعلى رغم ذلك لم يحدد محافظ «المركزي» عبداللطيف الجواهري تاريخ إطلاق المرحلة الثانية، مكتفياً بالإشارة إلى أن القرار«سيتخذ في الوقت المناسب وبالطريقة الملائمة»، مع العلم أن البنك استخدم في العام الماضي نحو 320 مليون دولار، للاستجابة إلى حاجات سوق الرساميل من العملات، في مواجهة المضاربين. وقد أسهم ذلك في خفض الاحتياطي النقدي الذي كان مستقراً عند نحو 26,6 مليار دولار. ويبدو أن مسيرة «التعويم» تصطدم بمؤشرين سلبيين وهما: ارتفاع حجم الدين العام، والبالغ حاليا نحو 75 مليار دولار، ويشكل نحو65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ومع إضافة الديون المضمونة من الدولة لحساب شركات القطاع العام، ترتفع النسبة إلى أكثر من 82 في المئة، والمؤثر الثاني والأهم هو ارتفاع فاتورة مستوردات النفط التي تزيد على 7 مليارات دولار سنوياً، وتعادل ثلث عجز الميزان التجاري البالغ نحو22 مليار دولار. والمشكلة تكمن في توقع استمرار ارتفاع الأسعار، لأن كل زيادة دولار واحد على سعر برميل النفط، تنعكس بنحو 80 مليون دولار على الحساب الجاري لميزان المدفوعات، وتسهم في تقليص احتياطي العملات الصعبة، والذي يعتبر صمام أمان لحماية سعر صرف الدرهم. لذلك، يتطلع المغاربة أن تدخل بلادهم نادي الدول المنتجة للنفط، حتى تتمكن من مواجهة هاتين المشكلتين، هل يمكن تحقيق ذلك؟
قدم المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن مؤخراً شروطاً تشغيلية جذابة لشركات استكشاف وإنتاج النفط والغاز، ويتطلع لاستثمارات تصل إلى 40 مليار دولار بحلول 2030. وتعمل حالياً 13 شركة تغطي مساحة تنقيب تصل إلى نحو 127 ألف كيلومتر مربع، وتضم 10 امتيازات و70 ترخيصاً منها 42 ترخيصاً في البحر. ولكن، يلاحظ أنه في الوقت الذي تتجنب فيه الأوساط المغربية الخوض في تفاصيل عمليات الاستكشاف وتؤكد بأن الأمر متروك للشركات العاملة، تتحفظ الشركات بدورها عن الإفصاح عن تفاصيل كافية. ولا يبعد بعض المراقبين ذلك عن الخوف من إثارة شهية أطراف خارجيين مهتمين بقطاع الطاقة، مثل إسبانيا التي ظهرت لديها ردود فعل غير ودية حول تقدم التنقيب قرب سواحل جزر الخالدات جنوب المحيط الأطلسي.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية.