تنوي المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» قبل ترك منصبها فرض ضرائب على التلوث، مما أعاد من جديد الجدل الدائر في دول العالم، وبالأخص المتقدم منها حول استخدام الضرائب، كأداة مالية فعالة لمعالجة بعض القضايا المالية المعقدة، كتمويل الموازنات السنوية وتقليص العجز بها أو حتى تمويل الإنفاق الجاري والمشاريع التنموية.
آراء الاقتصاديين متفاوتة حول هذه المسألة، إلا أن الأكيد هو أن أداة الضرائب سلاح ذو حدين، ولا بد من استخدامه بما يساهم في تحقيق الأهداف المرجوة ومن دون الأضرار بالجوانب والمؤشرات الاقتصادية الأخرى والتي لا تقل أهمية، إن لم تكن أكثر تأثيراً وأهمية من الضرائب بحد ذاتها.
ولنعود مرة أخرى للجدل الألماني حول هذا الموضوع، وهو مفيد وعلمي، فالسبب المعلن الذي دعا المستشارة لضريبة التلوث هو الحد من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وبالأخص في مجالي النقل والإنشاءات، لكن ذلك، كما - يشير بعض الاقتصاديين - سيلحق ضرراً لا يمكن تفاديه لمعدلات النمو، كما أن ذلك سيؤثر على القدرات الإنفاقية والاستثمارية للفئات الوسطى في المجتمع الألماني، ناهيك عن محدودي الدخل، وهو ما نبهت إليه المستشارة نفسها عندما أضافت قائلة: «إن ذلك ينبغي إلا يؤدي إلى الاثقال على الناس بقدر المستطاع» حيث تسود الاختلافات حول هذا الموضوع بين حزب ميركل والأحزاب المنضوية ضمن الائتلاف الحاكم. علماً بأن الألمان يدفعون بالفعل سنوياً 25 مليار يورو، كمخصصات للطاقة الصديقة للبيئة.
هذه مسالة معقدة تواجهها الكثير من بلدان العالم، خصوصاً في ظل زيادة الإنفاق العام، والذي ربما يقابله تقلص العائدات لأي سبب من الأسباب، حيث يقف متخذ القرار حائراً أمام معادلة صعبة، فمن جهة لا بد من تمويل الموازنة العامة وتقليص العجز، ومن جهة أخرى لا بد من المحافظة على معدلات النمو والمستويات المعيشية للسكان والتي ستتأثر دون شك من جراء الضرائب الجديدة.
الجزء الأول من هذه المعادلة سهل، ففرض الضرائب الجديدة لا يتطلب أكثر من تشريع أو قرار من السلطات التشريعية، إلا أن ذلك سيترك آثاراً على معدلات النمو، كما أن كافة القطاعات الاقتصادية سوف تتأثر وستؤثر بدورها على مؤشرات مهمة أخرى، كالطلب على السلع والخدمات، وتوفير فرص العمل وتجارة التجزئة والإنفاق على الترفيه والسلع المعمرة.
بدوره، سيؤثر ذلك على القدرة التنافسية للبلد المعني بسبب ارتفاع تكاليف الاستثمار ومستويات المعيشة، وهو ما تشعر به أوروبا أكثر من غيرها، مما دعاها إلى إصدار الأنظمة والقوانين لمحاربة ما تسميه بالجنات الضريبية، أي المقصود بها الدول الأفل في نسب فرض الضراب والرسوم أو تلك التي لا تفرض ضرائب على الإطلاق، وتكتفي ببعض الرسوم لتتحول إلى مناطق جذب استثمارية، وبالأخص في مجال الأموال والخدمات المالية والتي ساهمت بالفعل في إنعاش هذه الدول والتي يتمتع سكانها بمستويات دخل عالية، وذلك رغم عدم وجود أية موارد أو ثروات طبيعية.
والحال، فان هذا الموضوع المعقد والقديم والذي تطرق له علماء الاقتصاد الكلاسيكي، ووضعوا بعض قوانينه وأنظمته يكتسب في الوقت الحاضر مضامين جديدة، وذلك بحكم التطور الاقتصادي وانتقال المجتمعات إلى أشكال أرقى من النمو، وهو ما يتطلب دراسات معمقة لاستخدام أداه الضرائب وأشكالها وطرق تنفيذها والفترات الزمنية لعمليات التطبيق بحيث يستطيع الاقتصاد والمجتمع امتصاص هذه التحولات الجديدة والتأقلم معها واستيعابها.
الضرائب أضخت منذ زمن بعيد مكوناً أساسياً للاقتصادات الحديثة، والتي لا يمكن تصور أي اقتصاد متقدم من دونها، إلا أن كيفية التعامل معها هو ما سيحدد مدى الاستفادة من استخدامها، كأداة مالية وتنموية فعالة مع تجنب عواقبها السلبية قدر الإمكان، وهو ما يدور حولها في ألمانيا حالياً.