بعد انتخابات طويلة الأمد ومرهقة، وشهور من الحملات الانتخابية، وعملية تصويت امتدت على سبع مراحل، قال ناخبو الهند البالغ عددهم 879 مليوناً كلمتهم. فقد حصل حزب «بهاراتيا جاناتا»، الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، على ولاية أخرى في السلطة. صحيح أن انتصار مودي عام 2014، سجل رقماً قياسياً، لكنها المرة الأولى التي يحصل فيها حزب واحد على أغلبية برلمانية في ثلاثة عقود. وكان الفوز لمرة واحدة بهذا المستوى مذهلاً وغير متوقع، أما الفوز مرتين، فيعني أن السياسة الهندية والهند نفسها تغيرت بالفعل.
فخلال العقود الأولى بعد الاستقلال، كانت الهند ديمقراطية، لكنها كانت دولة الحزب الواحد. فقد هيمن «حزب المؤتمر الهندي» الذي قاد حركة الاستقلال على معظم الولايات، وكان له سيطرة قوية على السلطة في نيودلهي. صحيح أن الانتخابات أبعدته ذات مرة عن السلطة عام 1977 بعد أن اتبعت رئيسة الوزراء أنديرا غاندي نهجاً سلطوياً فعاقبتها معارضة متحدة. لكن الحزب لم يأفل نجمه إلا في التسعينيات. وحينها، دخلت الهند مرحلة الائتلافات التي سيطرت فيها طائفة من الأحزاب الإقليمية القائمة على أساس الطبقات والمختلفة أيديولوجياً على السلطة. ولا عجب أن تشهد هذه الفترة نمواً في القطاع الخاص بعد تحرير الاقتصاد عام 1991. أما انتصارات مودي المتعاقبة، فتمثل حقبة جديدة من السياسة الهندية. وحين كان حزب المؤتمر يهيمن على السياسة، زعم أحد قادته أن «أنديرا هي الهند». لكن لا يوجد سياسي منذ أنديرا غاندي يستطيع الادعاء بأنه يمثل الهند مثل مودي اليوم.
صحيح أن هناك عدة تفسيرات لفوز حزب بهاراتيا جاناتا، مثل القوة التنظيمية للحزب، وتفوقه في المال والموارد والدعم المعلن والمضمر من المؤسسات التي يفترض أنها مستقلة. والبعض سيشير إلى ضعف المعارضة وأزمة القيادة فيها، أو اشتهار مودي بالسمعة الخالية من الفساد، وسياسته الخارجية القوية، وشعبية بعض برامجه للرعاية الاجتماعية.. فكل هذه الأسباب عوامل مؤثرة، لكنها لم تكن كل شيء، ولا حتى الاقتصاد. فرغم الأرقام الرسمية عن نمو الإنتاج المحلي الإجمالي، فإن أداء الاقتصاد ليس جيداً تماماً.
لقد أثبتت الهند أن شعار بيل كلينتون الانتخابي، وهو «إنه الاقتصاد يا غبي!»، ليس صحيحاً، بل الصحيح: «إنها الهوية يا غبي!». ففي هذه الانتخابات، كان مدار السباق والفوز فيها حول الهوية الهندية. ومودي هو الممثل المثالي للشباب الهندي الطموح المتطلع للمستقبل. والعدد الهائل من هذه الفئة من الناخبين البالغ عددهم 400 مليون ناخب، يرون فيه رجلاً عصامياً عازماً على تأكيد مركزية الهند تجاه شؤون العالم. والأكثر من هذا أنه يبدو قوياً وحاسماً ويأمل أن يفرض الوحدة والطابع الرسمي على السياسة الهندية.
لقد نظرت الهند في الماضي إلى نفسها فوجدت أنها خليط من الهويات المتنافسة، يمثلها عدد من الحكام الأقوياء في عصر الائتلافات، وكان يمثلها عدد كبير من الفصائل داخل المظلة التقليدية لحزب المؤتمر من قبل هذا. لكن حزب بهاراتيا جاناتا في عصر مودي لا يسمح بمثل هذا التوازن. ويشعر من انتخبوا مودي أن الهند تصبح قوية إذا كانت موحدة وأن الوحدة تتطلب دمج هذه الهويات المتعددة في هوية واحدة. وقد هاجم المغالون في قوميتهم على تويتر، وأيضاً وزراء من الحكومة، خصوم مودي واصفين إياهم بأنهم مجرد تجزيئيين يريدون تقسيم الهند أشلاء. وكان منطق حزب بهاراتيا جاناتا الانتخابي بسيطاً للغاية، اعتمد على أن أربعة أخماس الهند من الهندوس وحزب بهاراتيا جاناتا هو أفضل ما يمثل مصالح الهندوس. وإذا صوت معظم الهندوس للحزب من باب التضامن الديني، فسيفوز حتماً. والحقيقة أن هذا ما أنجزه مودي والحزب. وكما تغيرت نظرة الهنود لأنفسهم وبلادهم، يتعين على العالم أن يغير نظرته إلى الهند.


*اقتصادي هندي وباحث بارز في مؤسسة أوبزرفر البحثية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»