دون أن يلاحظ أحد تقريباً بلغت إيران الأسبوع الماضي سفحاً جديداً من قمعها للصحافة. فمن المعروف على نطاق واسع أن إيران هي واحدة من أكثر خرائط الإعلام انغلاقاً في العالم. والنظام أصبح أكثر إقداماً عن أي وقت مضى في محاولته السيطرة على الكيفية التي يجري بها تغطية الأنباء. وبعض المنافذ الإعلامية أغلقت أبوابها بسبب افتقارها للتمويل. وبعضها الآخر أغلقت أبوابها لأنها فقدت تصريح النشر. ونتيجة لهذا، فإن تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى هي الأماكن التي تحدث من خلالها عملية جمع الأنباء الأكثر أهمية في البلاد.
وحين عُرض الصحفي مسعود كاظمي يوم الأربعاء الماضي على القضاء لم يكن يتوقع أي خير. لكن الواقع تجاوز حتى توقعاته المتشائمة. وكاظمي هو صحفي محنك متهم بالدعاية ضد الدولة لنشره تغريدات عن فساد الحكومة. فقد أرسل القاضي محمد مغيسيه الذي ينظر القضية كاظمي إلى سجن إيفين واشترط للإفراج عنه دفع كفالة تزيد على 70 ألف دولار وهو مبلغ ضخم للغاية. وبالنسبة للجماعة المتقلصة من الصحفيين الذين ينتقدون النظام في إيران، فالرسالة واضحة ومفادها أن الممسكين بالسلطة سيقومون بكل ما في وسعهم لإخراس صوت الصحفيين. وهذا النظام يهاجم المجتمع المدني، كما فعل ذلك في الغالب في الماضي، وعلى مدار سنوات، تضمن الصف الأمامي من هذا المجتمع جماعة من نشطاء حقوق الإنسان والمحامين، وأصبح معظمهم في السجون الآن أو يعيشون في المنفى.
وقبل يوم من صدور الحكم ضد «كاظمي»، ألقى «إبراهيم رئيسي»، رئيس الهيئة القضائية، كلمة حددت بشكل واضح نظرة النظام الإيراني للدور الذي يجب أن تلعبه الصحافة في المجتمع الإيراني. وأنبه القارئ إلى أن ما جاء في كلمة «رئيسي» يمثل تقليداً سيئاً لما جاء في رواية الكاتب الإنجليزي جورج أورويل «1984» الشهيرة. و«رئيسي» هو رجل دين كان المرشح الرئاسي المفضل لدى الزعيم الأعلى الإيراني في انتخابات عام 2017 لكنه خسر خسارة مدوية أمام حسن روحاني. فقد أعلن «رئيسي» لمجموعة من مدراء غرف الأنباء المدعومين من النظام أن «الإعلام مسؤول عن مراقبة العدو في الوقت الذي يعد فيه هجماته علينا. والصحفيون يجب ألا ينشروا أو يذيعوا أي أفكار أو إشارات تسعد العدو..ويجب أن ننشر المحتوى الذي يحافظ على ثقة الجمهور في النظام».
لكن روحاني وحلفاءه يساهمون في تفاقم المشكلة رغم وعودهم المستمرة بنشر حرية تعبير أكبر. فقد ذكرت مصادر في إيران أن إدارة روحاني بدأت تحاول كبح جماح الصحفيين أصحاب العقليات الإصلاحية وحثهم على التقليل من انتقاداتهم كوسيلة يراد بها فيما يبدو إبعادهم عن المشكلات. ويمكن تفسير خطبة «رئيسي» باعتبارها رسالة من النظام السياسي برمته إلى الصحفيين. فقد قال رئيسي «نعتقد أنه يجب أن تعملوا بطريقة تُراعى فيها الخطوط الحمراء التي وضعها القانون لضمان الحفاظ على الحرية لأن الحفاظ على حرية الإعلام والصحف يتطلب الحفاظ على تلك الحدود الحمراء».
وأخبرني صحفيون عاملون في طهران أن الدولة، بدعم من روحاني وإدارته، تعتزم فرض سيطرة أشد على وسائل الإعلام بأن ألزمت كل الصحفيين بالحصول على تصريح قبل دخول حقل العمل. وإيران تطلب بالفعل الحصول على تصاريح قبل العمل في الإعلام، لكن الإلزام الأخير سيمثل قيداً جديداً ومن المؤكد أن يمنع أصحاب الرؤى الانتقادية من مجرد الإقدام على دخول حقل العمل. ومثل هذا الإجراء سيجعل وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي التي تراقب كل أنشطة الإعلام وتقوم بدور الرقابة إذا تطلب الأمر أقرب إلى الرؤية الكابوسية لوزارة الحقيقة في رواية أورويل «1984».
*صحفي أميركي من أصل إيراني مراسل سابق لـ«واشنطن بوست» في طهران
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»