مراكش - حتى 2004، كان «روبن يموه أودوا» يعيش حياة كفاف في دكار: يخالط أبناء الرئيس، ويتدرب ويفوز بمباريات ملاكمة في ناد محلي للملاكمة، ويؤلّف الموسيقى حول مرحلة ما بعد الحرب في ليبيريا وسيراليون. ولكن ذلك لم يكن كافياً، ذلك أن «أودوا»، الفنان المولود في غانا لعائلة مبدعين، كان يريد دائماً أن يفعل أشياء أكثر بموسيقاه. ولكن الفرص ليعبّر عن نفسه ويلقى النجاح الذي ينشده كانت قليلة في السنغال، التي انتقل للعيش فيها قبل سبع سنوات على ذاك التاريخ. في دكار، التقى عدة أشخاص فروا من الحروب في بلدانهم واستقروا هناك، وكان كفاحهم مصدر إلهام له.
ويقول أودوا: «كنت أسمع عن سفر المهاجرين عبر الصحراء إلى شمال أفريقيا، فقررت أن أخوض التجربة بنفسي»، مضيفاً «كنت أحاول إيجاد الحقيقة في موسيقاي وفني من خلال تحولي إلى مهاجر غير قانوني».
وفي يوليو 2004، بدأ رحلة محفوفة بالمخاطر دامت عاماً ونصف العام عبر الصحراء الكبرى، حيث مر بكل من باماكو ونيامي وأغاديز وتمنراست قبل الوصول إلى الدار البيضاء.
إنه قصة نجاح نادرة في المغرب. أكثر من 30 ألف مهاجر من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء يعيشون الآن في المغرب، وفق منظمة «هيومان رايتس ووتش». ولكن النموذج المغربي يحتضن المهاجرين الأفارقة. فسياسياً، استدار المغرب نحو أفريقيا جنوب الصحراء؛ إذ عاد إلى الاتحاد الأفريقي ففي 2017 بغد غياب دام 33 عاماً، وارتفعت استثماراته في بقية القارة بمعدل 13 في المئة سنوياً منذ 2004، وهو ما يمثل تحولاً حاداً من موقف كان يركز على أوروبا في الماضي.
وبالنسبة للعديد من المهاجرين، أصبح الفن طريقة لإيجاد أرضية مشتركة مع المغاربة. فقد أصبحت البلاد وجهة لمبادرات فنية أفريقية تشمل المتاحف والمعارض. وأصبحت المهرجانات الموسيقية تُفتح على نحو متزايد في وجه المواهب من أفريقيا جنوب الصحراء. وقد تبنى المهاجرون الأفارقة هذا الاتجاه، إذ باتوا يستخدمون الفن كوسيلة للعيش والاندماج في مجتمع ينظر إليهم باعتبارهم «الآخر».
وتقول «سيسيل ميشياردي»، مديرة برنامج في «مؤسسة التنوع العالمي»، وهي منظمة غير ربحية تعنى بتحسين فرص عيش المهاجرين: «إن الثقافة تمثل مجالاً جيداً لمنح المهاجرين فرصاً»، مضيفةً: «إن علينا أن نُظهر للمغاربة أن ثمة أشياء كثيرة يتقاسمونها مع ثقافات بلدان أفريقيا جنوب الصحراء».
وقد عاين «أودوا» هذا بشكل مباشر: فقد كان الفن بطاقة دخوله إلى المجتمع المغربي. فبعد ثلاثة أسابيع على وصوله إلى الدار البيضاء، حصل على فرصته الكبيرة: إذ لعب دور مهاجر في مسلسل تلفزيوني ذي شعبية كبيرة. وبعد ذلك بوقت قصير، انضم إلى فرقة موسيقية مغربية كمغنٍ. وفي 2009، أنشأ فرقته الموسيقية الخاصة به، «ذا ماينوريتي غلوب»، رفقة مهاجرين آخرين، حيث يؤلف أغاني حول وضع الهجرة في المغرب. ومنذ ذلك الوقت، أضحت الفرقة نموذجاً رائداً للمهاجرين الناجحين في المغرب. وتتيح الفرقة فرص أداء للمهاجرين وتشجّعهم على دخول عالم الموسيقى والفنون البصرية والمسرح ويقول أودوا: «عندما يتعلق الأمر بالفن، فإن الموسيقى تكسر كل الجدران، إنها لغة عالمية».
وإضافةً إلى استخدام الموسيقى، من أجل التوعية ولفت الانتباه إلى مشاكل المهاجرين، يعمل أودوا مع منظمة «أطباء بلا حدود»، من أجل تطوير برامج للإدماج الثقافي للمهاجرين غير الشرعيين وربطهم بالمساعدة الطبية والاجتماعية. ويسهم جزء من العائدات التي تدرها عليه موسيقاه في تمويل الحملات الصحية والتعليمية لفائدة المهاجرين.
المتاحف والمؤسسات الثقافية أصبحت أيضاً أكثر انفتاحاً على المبادرات الأفريقية، ما ساهم في تحسين صورة المهاجرين. وفي هذا الإطار، يعرض «متحف المعدن للفن الأفريقي المعاصر» و«معرض الفن الأفريقي المعاصر 1-54»، وكلاهما في مراكش، الفنون البصرية من مختلف أرجاء القارة.
وفي مدينة الرباط، يتيح «المركز الثقافي الأفريقي» منصة لعرض التقاليد والثقافات الأفريقية. مدخل المركز يزدان بمنحوتات فنية متموجة لجاكي زابا، وهو فنان مهاجر من ساحل العاج. ويستضيف المركز عروضاً في الرقص والنحت والفنون التشكيلية والمسرح والفنون البصرية، بهدف مساعدة المغاربة على اكتشاف فنون جيرانهم، وفهم الثقافات المختلفة وتقديرها.
ومن جانبه، يبدو «أودوا» متفائلاً بخصوص قدرة الفن على جمع التقريب بين الجاليات. فرقته الموسيقية، «ذا ماينوريتي غروب»، تشرف حالياً على فعاليات ثقافية وتعليمية مع مفوض الأمم المتحدة السامي للاجئين، من أجل مساعدة المنظمات غير الحكومية التي تعمل مع المهاجرين على تحسين خدماتها.
ويقول «أودوا»: «هناك الكثير من أوجه الشبه بين الأفارقة الشماليين وبقية القارة، في طريقة اللباس، هناك أثر تاريخي، لقد فرّقتنا الحدود، ولكن في الموسيقى لا توجد حدود».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»