التصريحات التي أدلى بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل بضعة أيام، والتي أعلن من خلالها أن (السعودية لا تريد حرباً في المنطقة، إلا أنها لن تتردد في التعامل مع أي تهديد لشعبها وسيادتها ومصالحها الحيوية)، مضيفاً أن (على إيران تحديد موقفها بوضوح، فإما أن تكون عضواً فاعلاً أو دولة مارقة). هذا التعقل والاتزان في تلك التصريحات يقابلها –للأسف-على الجانب الآخر من شط الخليج تصرفات وأفعال أقل ما توصف به بأنها تتسم بالبلطجة والإرهاب، حيث يصر قادة إيران على وضع المنطقة برمتها على حافة الهاوية.
إن سخونة الأحداث وتسارع وتيرتها تشي وتنذر بالحرب التي تلوح في الأفق، فالإيرانيون يسكبون مزيداً من الزيت على النار، من خلال أفعالهم وتصريحاتهم التي تزيد الأمر اشتعالاً دون أن يتركوا مساحة للتراجع ولو خطوات إلى الخلف، وبما يسهم في نزع فتيل الأزمة، وتجنيب المنطقة جحيماً قد يعصف باستقرارها. وبتلك السلوكيات التي يمارسها الملالي يؤكدون أن إيران اعتمدت الذهاب إلى انتحار جماعي، وإلى خيار شمشون، الذي وكما تقول الأسطورة «أنه في لحظة يأس وفقدان أمل اتخذ قراراً بائساً بهدم المعبد على من فيه، رافعاً شعار: عليّ وعلى أعدائي».
خلال أيام وجيزة تتالت أعمال التخريب، بدءاً من تخريب أربع سفن قبالة سواحل الفجيرة في الثاني عشر من مايو الماضي، إلى ضرب مضختي نفط في منطقة الدوادمي بالعاصمة الرياض وذلك بعد مضيّ ثمانٍ وأربعين ساعة، وصولاً إلى إسقاط طائرة استطلاع أميركية فوق المياه الإقليمية منذ أيام قليلة، وقد أعلنت الولايات المتحدة أن إيران متورطة في تلك الأعمال التخريبية، كما أعلنت بعدها أن لديها أدلة وقرائن قد تكشف عن قيام قوات الحرس الثوري بتنفيذ تلك الأعمال غير المسؤولة، مثلما ستكشف عن كذب ساسة إيران ونظام الملالي، وبالتالي فإن ما حدث لا يمكن أن يمر دون حساب.
منذ أن فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب حصاراً خانقاً على بترول إيران وعلى التعامل معها، وجنون طهران يبدو جلياً وواضحاً. فقرارات الولايات المتحدة تصيب الاقتصاد الإيراني في مقتل، ولهذا يتوجب على قادة طهران التوقف عن سياسة العناد والامتثال للقرارات والإرادة الدولية ومعالجة القضية بحكمة وتعقل، وذلك بقبول إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي ووقف دعم الأعمال التخريبية في المنطقة عبر أذرعهم الإجرامية.
الساسة الإيرانيون يطلقون تصريحاتهم العنترية، ويقرعون طبول الحرب وكأنهم بذلك يستدعون جيوش القوى الدولية إلى المنطقة، رغم أنهم أول من يعي ويدرك أن ساعة المواجهة واللحظة الفارقة لن تحول دون زوال ملكهم وانهيار نظامهم وسقوط أركان الحكم في بلادهم، ولعل شبح ما جرى مع غريمهم صدام هو أقرب سيناريو في حال استمروا في سياستهم تلك.
فهل إيران قادرة حقاً على مواجهة العالم وفرض إرادتها عليه عندما يعلن رئيسها حسن روحاني ويباركه مرشده الأعلى خامنئي «إن أية دولة لن تتمكن من تصدير نفطها من الخليج إذا لم تصدّر إيران نفطها»؟ وهل تظن إيران حقاً أن دول المنطقة والقوى الدولية ستقف مكتوفة الأيدي أمام ما تمارسه من تصرفات، وما تنتهجه من سلوك بمحاولتها التلويح بمنع تصدير البترول؟ وهل هم مقتنعون أصلاً بأن العالم سينحني أمام جنونهم وتهديداتهم بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره أكثر من ثلث البترول العالمي في تحدٍ سافرٍ للمجتمع الدولي، ومواثيق الأمم المتحدة؟ أعتقد أنهم مصابون بلوثة وبجنون العظمة الذي سيصيبهم في مقتل.
حتى اليوم، أبوظبي والرياض ملتزمتان بأقصى درجات ضبط النفس رغم يقيني بجاهزية رجالنا. وهذا النهج الحكيم لم يقرأه الإيرانيون على وجهه الصحيح، ولعل من يفهم ألف باء السياسة الدولية يدرك جيداً أن هناك خطوطاً حمراء لا يتساهل المجتمع الدولي فيها حال تخطيها، وهي ثوابت استراتيجية من بينها الملاحة، وحركة التجارة العالمية، وعمليات نقل البترول عبر مضيق هرمز. فماذا يظن الإيرانيون فاعلون إن تابعوا سلوكهم العنتري؟ وعلى ماذا يراهنون؟
من المفيد جداً لساسة إيران الكف عن المراوغة وترديد الأكاذيب، والعودة إلى التاريخ ليقرؤوا مجدداً وجيداً نصيحة ميشال دي مونتين-أحد أبرز الكتاب الفرنسيين تأثيراً في عصر النهضة-الذي كتب مقولته الشهيرة (من لا يتمتع بذاكرة غاية في القوة، فالأفضل له ألا يكذب).