في السابع من يونيو الجاري، أعلنت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة أن عدد الفنزويليين الذين فروا من البلاد تجاوز 4 ملايين. وتدفق مليون شخص، من أقل من 30 مليون شخص ظلوا فيما كانت ذات أغنى بلاد أميركا اللاتينية، عبر حدودها في غضون سبعة أشهر فقط. وقال بيان صادر عن الوكالتين إن «وتيرة التدفق الخارجي من فنزويلا كانت مذهلة».
ولم تحظ تلك الأخبار باهتمام كبير في واشنطن. فبعد محاولة فاشلة من قبل المعارضة الفنزويلية لإثارة انتفاضة عسكرية في 30 أبريل الماضي، وبّخ الرئيس دونالد ترامب مستشاريه، وتوقف عن الحديث حول فنزويلا وانتقل إلى هدفه التالي، أي «ممارسة أقصى الضغوط» على إيران.
وهناك سبب للإحباط المتزايد بالنسبة للفنزويليين وجيرانهم في أميركا اللاتينية، والذين لم يكن لديهم خيار سوى المضي قدماً، والذين يقولون إن منطقتهم ستواجه كارثة ذات أبعاد ملحمية في غضون شهور ما لم تتمكن فنزويلا من تحقيق الاستقرار وتسيطر على تدفق اللاجئين.
وفي مؤتمر عُقد خلال الشهر الجاري عن فنزويلا، برعاية «مجتمع الأميركيتين/مجلس الأميركيتين»، سمعت العديد من الخبراء الإقليميين والمسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين يتحدثون بقلق حول الاحتمالات الممكنة للأزمة. وتضمنت السيناريوهات التي ناقشوها انتشار المجاعة، واندلاع حرب أهلية تنخرط فيها فصائل متنافسة من الجيش أو الجماعات المتمردة الكولومبية التي تسيطر الآن على أجزاء كبيرة من الريف، أو حدوث انقلاب دخل نظام الحكم يتم فيه تغيير الرئيس «نيكولاس مادورو» الذي لا يحظى بشعبية ولا يتمتع بالكفاءة، دون تغيير بقية النظام الاستبدادي المحيط به.
وأكثر التوقعات منطقية وإثارة للقلق هو أنه: بحلول ديسمبر، سيتدفق مليون فنزويلي إضافي على كولومبيا والدول المجاورة الأخرى. ولن تكون المنطقة قادرة على التكيف مع هذا الوضع. وستجد إدارة ترامب نفسها في مواجهة مطالب ترقى إلى نوع من التدخل لوقف الأزمة على الحدود الفنزويلية الكولومبية، والتي هي أسوأ بكثير من أي شيء آخر شوهد على الحدود الأميركية المكسيكية.
وفي هذا الأثناء، هناك ادعاء بأن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن الكارثة الإنسانية، لأنه حتى مع فشل الحظر الذي فرضه ترامب في شهر يناير الماضي على مشتريات النفط الفنزويلي في تحقيق هدفه فيما يتعلق بتغيير النظام، فإنه كان له تأثير اقتصادي مدمر.
لقد شهدت فنزويلا بالفعل انهياراً اقتصادياً تاريخياً بحلول نهاية العام الماضي، في ظل النقص الحاد في الغذاء والدواء والطاقة والمياه. وتراجعت صادرات النفط، التي تعد المصدر الوحيد للدولارات التي تحتاج إليها البلاد لاستيراد 95% من احتياجاتها من الغذاء، بنحو النصف. لكن هذا التراجع كان مذهلاً منذ أن دخل الحظر الأميركي على مشتريات النفط حيز التنفيذ. وفي النصف الأول من هذا الشهر، انخفضت حمولات ناقلات صادرات النفط لما دون 600.000 برميل يومياً، مقابل نحو 1.2 مليون برميل يومياً من الصادرات في المتوسط خلال عام 2018، بحسب ما ذكر «روس دالين» من شركة «كاراكاس كابيتال» ومقرها ميامي. وأضاف «دالين» أن معظم النفط الذي يتم شحنه حالياً يذهب إلى روسيا والصين، وإلى كوبا التي لا تدفع مقابل الحصول عليه، حيث تقوم روسيا والصين بجمع ديونهما المستحقة على فنزويلا. ويقوم النظام ببيع احتياطيات الذهب بشكل محموم، إلى جانب الاتجار في المخدرات للحصول على مليار دولار شهرياً، ما يكفي لشراء الشمبانيا للنخبة، بينما تتضور بقية البلاد جوعاً.
ويجاهر مسؤولو إدارة ترامب بأنهم لا يبالون باحتمال إلقاء اللائمة عليهم، كونهم السبب في حدوث أول مجاعة في العصر الحديث في أميركا اللاتينية. وهم يقولون إنهم يتوقعون أن ينهار النظام، ما يسمح بالانتقال إلى الديمقراطية بقيادة زعيم المعارضة «خوان جوايدو». لكن تقييمات كبار الدبلوماسيين والخبراء الإقليميين خلال المؤتمر الذي عُقد هذا الشهر، كان يغلب عليها التشاؤم. وقال الكثيرون إنهم كانوا يعتقدون أنه من غير المرجح أن يتمكن الجيش الفنزويلي من الإطاحة بالنظام، وبينما ينخرط كبار الضباط في تجارة المخدرات وغير ذلك من صور الفساد، تخضع الرتب الأدنى للمراقبة الشديدة ويتم تطهير المنشقين بسرعة.
وبسبب عدم وجود خيارات أفضل، انخرطت حكومة جوايدو البديلة في مفاوضات مع مادورو خلال الأسابيع القليلة الماضية، لكن لا أحد تقريباً يعتقد أنه سيتم التوصل إلى اتفاق. وتأمل دول أميركا اللاتينية وأوروبا في دفع النظام لتحديد موعد إجراء انتخابات. لكن إجراء انتخابات نزيهة يتطلب إعادة بناء كاملة للنظام الانتخابي، حيث قالت شخصيات بارزة في النظام مراراً وتكراراً، إنهم لن يقبلوا إطلاقاً بالهزيمة في الانتخابات. وأشار دبلوماسي بارز إلى أن كل اقتراح جديد بإجراء «حوار» بين نظام مادورو والمعارضة، يدفع بالمزيد من اللاجئين إلى الحدود.


*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»