على طريق ترابي في جنوب أوغندا، رقص وغنى مئات اللاجئين من جنوب السودان فرحاً باقتراب الانتهاء من تدريبهم مهنياً في مخيم «بيدي بيدي» للاجئين. واكتسحتني سعادتهم، فانتشرت ابتسامة على وجهي. وهذه المجموعة كانت جزءاً من برنامج ضم 1400 شخصاً تعلموا مجموعة من الحرف في المخيم عبر برامج تمولها الولايات المتحدة. وبعضهم لم يتلقَّ تعليمه الأساسي لكن تم تأهيلهم ليصبحوا نجارين أو حائكين أو مقدمي خدمات فندقية أو فنيي إصلاح دراجات هوائية وغيرها من المهن.
لكن هذه الصورة السعيدة، تتناقض مع ما يحدث في بلادي، الولايات المتحدة الأميركية، حيث يموت مهاجرون أثناء محاولة الوصول إلى بر أمان ويُحتجز آلاف الأطفال دون آبائهم في منشآت مكتظة بالنزلاء وتفتقر إلى الغذاء الكافي ودورات المياه. ويدفع محامو الإدارة الأميركية بأنه يصعب توفير ظروف الأمان والصحة للمهاجرين أو بأن هذا ليس مسؤولية الحكومة. وتعترف الولايات المتحدة بأن المهاجرين يحتاجون إلى رعاية أفضل، لكنها تزعم أنه من المستحيل الوفاء بهذا في ظل التدفقات الكبيرة من المهاجرين عبر الحدود الجنوبية. ويلقي البيت الأبيض بالمسؤولية على الكونجرس، وبعض أعضاء الكونجرس ثار غضبهم بسبب ما يطلقون عليه سياسات حبس واحتجاز غير إنسانية.
وقد يكون احتواء اللاجئين صعباً، لاسيما في حالات الطوارئ. لكن حكومات ومنظمات متعددة الأطراف وجماعات إغاثة حول العالم تواجه التحديات نفسها التي يواجهها المسؤولون الأميركيون على الحدود مع المكسيك. وفي حالات كثيرة، كما في مخيم «بيدي بيدي» الذي يقطنه 234 ألف لاجئ، والذي أعمل فيه حالياً، تساعد واشنطن بالأموال في برامج ناجحة إلى حد كبير. فما الذي يمنع المسؤولين الأميركيين من القيام بالشيء نفسه في وطنهم؟
وأوغندا من أفقر دول العالم، وقد شهد تاريخها الحديث حرباً أهلية ضروساً وتفشياً لمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز). لكن البلاد تستوعب حالياً نحو 1.2 مليون لاجئ في أكثر من عشر مخيمات. ومعظم اللاجئين فروا من عنف الجماعات المسلحة في دولتي جنوب السودان والكونجو الديمقراطية. إنها الظروف نفسها تقريباً التي دفعت اللاجئين من السلفادور وهندوراس إلى الهروب، فانتشار تجارة المخدرات والفساد وانعدام القانون هناك.. عوامل تساعد العصابات على تجنيد الأطفال في أعمال العنف ومعاقبة الناس بقتل أسرهم. و80% من اللاجئين الوافدين إلى أوغندا هم من الأطفال والنساء، كما يمثل الأطفال والنساء أغلبية كذلك بين طالبي اللجوء على الحدود الأميركية. وهنا أشاهد أحياناً أمهات متعبات يحملن متاعهن على ظهورهن أو فوق رؤوسهن التي يمتلئ بعضها بذكرى مقتل زوج أو حرق منزل أو تخريب محصول.. وربما تعرض بعضهن للاغتصاب.
وبدأ عدد اللاجئين الوافدين إلى أوغندا يتصاعد منذ ثلاثة أعوام. وعلى خلاف الولايات المتحدة، كانت أوغندا مستعدة. ففور وصول اللاجئ هنا، يزوده العمال بالصابون والماء وحاويات لحمل وتخزين متاعه وبطاطين ومخدات للنوم وبطعام سريع يقتات به، وهي أمور غير متوافرة في المنشآت الأميركية. ويجري تسجيل الأُسر وتحديد أماكن إقامتها. ثم يجري إمداد الوافدين الجدد بمواد لبناء مساكن مؤقتة. وكثيرون منهم يبنون الأكواخ الطينية التقليدية. وتتم إقامة مراحيض ومدارس في أسرع وقت ممكن. وهناك دائماً فجوات في الخدمات وأحياناً تكون فجوات كبيرة. لكن المخيمات هنا تسير سيراً حسناً، لا فرق بينها تقريباً وبين البلدات التي يعيش فيها الأوغنديون.
وجماعات المساعدات الإنسانية غير الربحية، مثل وكالة «خدمات الإغاثة الكاثوليكية» التي أعمل فيها، تعمل مع الحكومة الأوغندية والإدارات المحلية والجماعات الأخرى لتوفير طائفة من الخدمات المتكاملة. وقد حققت «خدمات الإغاثة الكاثوليكية» في الآونة الأخيرة تحسينات في النظافة والصرف الصحي، تضمنت نظاماً للمياه في «بيدي بيدي» يقدم الخدمة لنحو 4700 أسرة لاجئة. ودرّبنا ستة آلاف مزارع على تسويق محاصيلهم بشكل أفضل. ونبني أيضاً خمس مدارس تسع ما يقارب 10 آلاف طفل لاجئ.
والمفارقة أن الولايات المتحدة مولت معظم هذه المشروعات، وتلعب دوراً مهماً في توطين اللاجئين حول العالم. وخصصت وكالات أميركية مختلفة حتى الآن من العام المالي الحالي 132 مليون دولار لبرامج في أوغندا. ويعدّ الدعم الأميركي من الأسباب الرئيسة التي تجعل اللاجئين يجدون ترحيباً في أوغندا. والإقامة قصيرة الأمد ليست إلا جزءاً من الخدمات المقدمة. فالهدف الأطول أمداً هو إعداد اللاجئين في نهاية المطاف للعودة إلى ديارهم وتحسين حياتهم. ومما يساعد على سير الأمور سيراً حسناً في أوغندا هو الرغبة السياسية في استقبال وتوطين اللاجئين من باب التعاطف وإدراك أن توافدهم يساعد الاقتصاد الأوغندي بالفعل.
وإذا كانت واحدة من أفقر دول العالم تستطيع -بمساعدة من الولايات المتحدة- إيواء أكثر من مليون لاجئ وتعليم أطفالهم وتعليم الآباء حِرفاً معينةً، فلماذا لا تستطيع الولايات المتحدة توفير منشآت آمنة مؤقتة على الأقل لمن يهربون من أهوال أميركا الوسطى؟
أعلم من خبرتي الشخصية مدى قدرة الحكومة الأميركية على مد يد المساعدة للاجئين. فقد فر أبواي من كوبا عام 1980، وكنت أبلغ من العمر حينها خمسة أعوام. وأذكر جيداً أن ضابطاً من حرس الحدود الأميركية قدّم لي تفاحة فور نزولنا إلى الشاطئ. ثم تم إرشاد أسرتي ولاجئين آخرين إلى مرآب طائرات، حيث حصلنا هناك على ملابس وتمكنا من الاستحمام والحصول على أسرّة للراحة. فمعاملة اللاجئين بطريقة كريمة ليست صعبة للغاية على دولة مثل الولايات المتحدة.

*ممثلة وكالة «خدمات الإغاثة الكاثوليكية» للمساعدات الإنسانية الدولية في أوغندا

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»