كان «سالاي لونجنجام» ينتمي لأقلية «تشين» العرقية وهو يدين بالمسيحية في ميانمار. ونشاطه هناك ضد الحكومة أدى به في نهاية المطاف إلى الفرار من البلاد نجاةً بحياته. ومروراً بالهند ثم ماليزيا، استقر لاجئاً في ولاية إنديانا بالولايات المتحدة قبل عشر سنوات. ووصل «لونجنجام» إلى مدينة إنديانابوليس ومعه نحو 50 دولاراً. والآن يعمل كوسيط عقارات وباع نحو 180 منزلاً منذ عام 2016. ويؤكد أن ثمانية من كل عشرة من ملاك المنازل التي باعها يملكها لاجئون. ويرى لونجنجام الذي أصبح مواطناً أميركياً الآن أن «هؤلاء اللاجئين لا يستنزفون موارد الحكومة بل يساعدون المجتمع حقا». فمنذ عام 2007، استقر 12804 لاجئين على الأقل من ميانمار في ولاية إنديانا.
ورغم ارتفاع عدد اللاجئين في العالم إلى رقم قياسي بلغ 25.9 مليون لاجئ، ترحب الولايات المتحدة برقم منخفض تاريخياً منذ بدء العمل ببرنامج اللاجئين الحديث عام 1980. وتفكر إدارة ترامب في تقليص آخر لقبول اللاجئين في السنة المالية المقبلة أو إلغاء البرنامج كلية.
ويرى «مارك جرينبيرج» الباحث البارز في «معهد سياسة الهجرة» ذو الميول اليسارية أنه «من الصعب أن نرى الكيفية التي يمكن أن يحقق هذا الأهداف السياسية أو الأهداف الإنسانية لبلادنا». لكن «نايلا راش» الباحثة البارزة ب«مركز دراسات الهجرة» ذي الميول اليمينية تدافع عن تحديد عدد المقبولين من اللاجئين عند 15 ألف للتركيز على حالات الأمم المتحدة العاجلة والطارئة من اللاجئين. وكتبت «راش» في مدونة المركز تقول إن البرنامج «يتعين تطبيقه بشكل صحيح فحسب ليكون وسيلة تقتصر على الذين يتعرضون للخطر بالفعل في بلاد فروا منها».
وأثارت توجهات البيت الأبيض القلق وسط خبراء إعادة توطين اللاجئين. وبالإضافة إلى المخاوف الإنسانية للاجئين الذين قد لا يصلون أبدا إلى الولايات المتحدة، حذر الخبراء من عواقب هذا على اللاجئين الذين تم توطينهم بالفعل وعلى المجتمعات التي ساعدوا في تنشيطها. فحين غادر الرئيس باراك أوباما المنصب كان الحد الأعلى السنوي قبول اللاجئين قد بلغ 110 آلاف في السنة المالية 2017. وخفض الرئيس ترامب السقف في العام التالي إلى 45 ألفاً ثم إلى 30 ألفاً عام 2019. وذكر موقع «بوليتكو» على الإنترنت بأن بعض المسؤولين دافعوا عن خفض الحد الأقصى من اللاجئين للتركيز على المخاوف الأمنية والقدرة على تقديم الحماية الإنسانية لطالبي اللجوء.
وصرح «كين جوتشينلي» القائم بأعمال مدير مصلحة الهجرة والجنسية الأميركية لشبكة «سي. إن. إن» قائلا «تركيزي في الوقت الحالي ينصب على محاولة إدارة الأزمة على الحدود ومنع قضايا طالبي اللجوء من الاستمرار في التراكم». وتعجز جهود مسؤولي الحدود عن السيطرة على حركة الهجرة الكبيرة على الحدود الجنوبية وتنوء محاكم الهجرة الأميركية بعبء تراكم ما يصل إلى مليون قضية. واللاجئون، على خلاف طالبي حق اللجوء، يتقدمون بطلب الحماية قبل الوصول إلى الولايات المتحدة.
وبعض خبراء الهجرة يرون أن البلاد يتعين عليها معالجة طلبات حق اللجوء المتزايدة مع الاستجابة لحاجات إعادة توطين اللاجئين. ويرى «جرينبيرج» أنه «يجب ألا يكون هناك تعارض بين هذا وذاك».
ويرى «كول فارجا»، وهو مدير منظمة غير هادفة للربح لمساعدة اللاجئين في «انديانابوليس»، جانباً اقتصاديًا سلبياً لتفريق شمل الأسر. فبعض أسر اللاجئين تنتظر انضمام الأشخاص القادرين على كسب الرزق كالزوج أو الراشدين الآخرين من أفراد العائلة. ويؤكد فارجا أنه «كلما زاد عدد الأشخاص الذين يعتمدون محلياً على بعضهم بعضاً في جمع الممتلكات والدخول، كلما كانوا أكثر نجاحا في المدى الطويل». وتقليص قبول اللاجئين في ظل الإدارة الحالية، أجبر «فارجا» على تسريح 15 موظفا، أي نحو ثلث فريق العمل في المنظمة التي تعمل على إعادة توطين اللاجئين. وبعض الجمعيات الأخرى غير الهادفة للربح قامت بتصفية مكاتب كاملة.
وتشير دراسة إلى أن مساهمات اللاجئين الاقتصادية للمجتمعات الأميركية تتفوق على التكلفة المبدئية لإعادة توطينهم. فقد تسبب اللاجئون في جنوب شرق ميشيجن في إيجاد 2000 وظيفة عام 2016 وحده. وأشارت الدراسة التي أجرتها جماعة «جلوبال ديترويت» غير الهادفة للربح وجامعة ميشيجن أيضاً إلى أنه في غضون عقد تسبب اللاجئون في إضافة أنفاق تراوح بين 229.6 و295.3 مليون دولار، فيما يمثل مكسباً لمنطقة تضررت كثيرا من كبوات صناعة السيارات في ديترويت.
ويرى «ستيف توبوكمان» مدير جماعة «جلوبال ديترويت» توجها ناشئا يتمثل في تعاون على المستوى المحلي داعم للمهاجرين. ويقول توبوكمان إن هناك «نمواً كبيراً في المجتمع ووسط زعماء التنمية الاقتصادية الذين يفكرون في مصالحهم الذاتية في المنطقة والذين يؤيدون إعادة توطين اللاجئين والهجرة باعتبارها استراتيجية تعيد النشاط فعلا للاقتصاد».
*صحفية أميركية مهتمة بشؤون الهجرة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مينيتور»