من يسيطر على القرار السياسي في إسرائيل؟ الجيش أو الحكومة؟ وبالتالي من المسؤول عن تعثر كل محاولات التسويات السياسية مع الفلسطينيين ومع الدول العربية الأخرى. القوات المسلحة المهيمنة أو الأحزاب السياسية الحاكمة؟ تضيء الوقائع التالية على الإجابة على هذا السؤال، وفي هذا الوقت بالذات الذي تدخل فيه مساعي التسوية مرحلة جديدة، أولاً: في عام 1954 كان يترأس الحكومة الإسرائيلية «موشي شاريت»، وكان على رأس الدولة المصرية جمال عبد الناصر. في ذلك الوقت قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بفتح ممر دبلوماسي غير مباشر للتفاوض من أجل تسوية القضية الفلسطينية. كان «شاريت» موافقاً ومتحمساً. غير أن القوات الإسرائيلية المسلحة كان لها رأي آخر. فقد قامت هذه القوات بأعمال تخريبية في القاهرة بوساطة عملاء لها، استهدفت مصالح أميركية وبريطانية، لاتهام المصريين بارتكابها بهدف ضرب العلاقات المصرية – الأميركية، وبالتالي تعطيل محاولات التسوية. ولقد تعطلت فعلاً.
ثانياً: في عام 1967 قررت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية شن حرب على مصر وسوريا –(حرب يونيو). كان رئيس الحكومة في ذلك الوقت ليفي أشكول. وكان معارضاً لشنّ الحرب. فما كان من القوات المسلحة إلا أن احتجزته في قبوٍ تحت الأرض إلى أن استسلم لإرادتها ووافق على الحرب. وقد تمكنت إسرائيل بهذا العدوان المبيّت من احتلال سيناء والضفة الغربية بما فيها القدس، ومرتفعات الجولان بما في جبل الشيخ.
ثالثاً: في عام 2010 كان بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة، وكانت إسرائيل تخوض معركة انتخابات عامة –كما هو الوضع الحالي أيضاً- ولتعزيز شعبيته، قرّر نتنياهو توجيه ضربة عسكرية إلى المفاعل النووي الإيراني من دون الرجوع حتى إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي الموسع أو المصغر. يومها عارض القرار كل من قائد الجيش الإسرائيلي الجنرال «غابي أشكانازي»، ورئيس جهاز المخابرات «الشين بيت» يوفال ديسكن، ولم تكن معارضتهما دفاعاً عن إيران، ولكن رفضاً لاستغلال نتنياهو عملية توجيه الضربة سياسياً وشعبياً في الانتخابات الإسرائيلية، وكان لهما ما أرادا.
رابعاً: وطوال فترة رئاسة –أو رئاسات- نتنياهو للحكومات الإسرائيلية، كان في حالة صراع مع المؤسسات الأمنية حول الموقف من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بصورة خاصة، وحول الموقف من فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة بصورة عامة.
بالنسبة للرئيس عباس، كان نتنياهو يتهمه بأنه «يشجع على الإرهاب». وخلافاً لذلك كانت أجهزة المخابرات العسكرية الشين بيت تعتبره مفاوضاً صالحاً لتحقيق التسوية.
وبالنسبة لفلسطينيي الضفة كان نتنياهو –ولا يزال- يطالب بإبعاد من يُتهَم (؟) بعمل إرهابي إلى خارج الضفة هم وعائلاتهم، غير أن أجهزة المخابرات كانت تعارض هذا الإجراء لأنه يؤدي إلى نتائج عكسية تسيء إلى سمعة إسرائيل في العالم. ولقد فرضت هذه الأجهزة اجتهادها عليه. واضطر إلى الموافقة على مضض، خاصة بعد أن أصدر المدعي العام مطالعة اعتبر فيها أن إجراء الإبعاد غير قانوني.
خامساً: في عام 2014 طلب نتنياهو من قائد الجيش الإسرائيلي ومن رئيس أركانه قصف غزة بلا هوادة. نفذ الجيش الأوامر، وتعرضت غزة إلى أكبر نكبة إنسانية تدميرية. يومها عارض القرار بالقصف كل من جهاز الموساد والشين بيت. وحذر قادة الجهازين من النتائج السلبية لهذا العمل. لم يأبه نتنياهو، فقد كان قائد الجيش مطواعاً له، وكان يشاركه كراهية الفلسطينيين والحقد عليهم. فكانت المجزرة.. التي ألصقت بإسرائيل وصمة عار لا تمحى، أدانتها الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي.
في 24 مارس من عام 2014 قام شاب فلسطيني بطعن جندي إسرائيلي. أصيب الجندي بجراح، ولكن القوات الإسرائيلية اعتقلت الشاب الفلسطيني وقتلته بدم بارد. أثارت جريمة القتل يومها ردود فعل حتى داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بين معارض ومبرِر. كان نتنياهو أكثر المؤيدين حماساً. وكان رئيس أركان الجيش الجنرال يائير غولن أكثر المعارضين تشدداً، حتى انه أدلى بتصريح قال فيه:«إن إسرائيل اليوم أشبه ما تكون بألمانيا في ثلاثينيات القرن العشرين». (في عهد نازية هتلر). ندد نتنياهو بتصريح رئيس الأركان واعتبره مهيناً لإسرائيل ولجيشها. اليوم يقضي الجنرال بقية عمره متقاعداً في منزله. ويواصل نتنياهو رئاسة الحكومة!