لم يمض وقت طويل على تدشين حملة الانتخابات الاتحادية في كندا حتى بدأ مرشحون في محاولة تشويه منافس بمقارنته بالرئيس الأميركي دونالد ترامب. وحدث هذا في أول مناظرة في الحملة الشهر الجاري في تورونتو. وكان هدف الهجمات «اندرو شير»، زعيم حزب المحافظين. فقد أعلنت اليزابيث ماي، زعيمة حزب الخضر، أنها راجعت مقترحات سياسة «شير» الخارجية وتوصلت إلى أنه إذا أراد أي شخص معرفة موقف شير، فما عليه إلا أن يعرف ما يريده ترامب. ومضى جاجميت سينغ، الزعيم الجديد للحزب الديمقراطي، قُدماً في الهجوم قائلا إن شير «يرغب في أن يفعل كل ما بوسعه ليدعم ويواصل سياسات ترامب».
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ترامب قليل الشعبية للغاية في كندا، الحليفة المخلصة للولايات المتحدة، التي فرض عليها ترامب رسوماً جمركية ووصف رئيس وزرائها بأنه «ضعيف» و«غير أمين». لكن ترامب مازال شخصية مهمة في كندا لأنه زعيم أكبر شريك أمني وتجاري لكندا. كما أن كندا تحث الولايات المتحدة على مساعدتها في دفع الصين للإفراج عن كنديين اثنين محتجزين هناك. وكل هذا يعني أن ترامب يستطيع لعب دور استثنائي في الانتخابات الاتحادية التي تجرى الشهر المقبل.
لكن يتعين على المرشحين أن يتحسسوا خطاهم لأن إنفاق الكثير من الوقت في انتقاد ترامب قد يؤدي إلى نتائج عكسية باعتبارها سياسة رخيصة على حساب تخصيص وقت أكبر للقضايا الأهم، كما أن الفائز في نهاية المطاف سيتعين عليه التعامل مع ترامب. لكن هناك تحدياً إضافياً يواجه شير والمحافظين الكنديين عموماً، حيث ذكرت لورا داوسن، مديرة معهد كندا في مركز ويلسون، أن المحافظين «لا يريدون حقاً أن يقفوا مع نهج لليمين المتطرف أو رجعي أو متشدد قادم من الولايات المتحدة، إلا أنهم مازالوا يريدون أن يكونوا محافظين. والوقوف إلى جانب قيم ومعتقدات الرئيس الذي يشغل حالياً البيت الأبيض سيكون خطيراً بالنسبة لكثير من الكنديين».
ويخوض رئيس الوزراء الكندي، جاستين ترودو، سباقاً متقارباً مع شير، ويقدم نفسه باعتباره نقيضاً ليبرالياً لترامب، وقد حاول هو أيضاً أن يربط خصومه المحافظين بالرئيس الأميركي وسياساته. لكنه يتوخى الحذر حالياً في مسعاه هذا، ونادراً ما يذكر ترامب بالاسم.
والسؤال هو: هل يعتزم ترامب مدّ ظله على الانتخابات الكندية؟ هذا السؤال أحالته وزارة الخارجية إلى البيت الأبيض، لكن البيت الأبيض رفض التعليق. وحملة ترامب الرئاسية لم ترد. وإذا كان ترامب يحبذ فوز شير، فربما من الأفضل له (ولمرشحه المفضل) أن يبقى (أي ترامب) بعيداً عن الانتخابات. فقد تحدثت ماي زعيمة حزب الخضر بشأن تأثير ترامب وقالت لصحيفة «واشنطن بوست»: «لا شيء يجعلني أشعر بأنني كندية مخلصة تقف إلى جانب رئيس الوزراء الكندي من أي فصيل سياسي أكثر من فكرة أن دونالد ترامب يهاجم رئيس الوزراء ذاك». وذكر مسؤول من الحزب الليبرالي، الذي يتزعمه ترودو، مشترطاً عدم نشر اسمه، أن رئيس الوزراء يعتبر إعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) إنجازاً محورياً، لاعتقاده بأن المحافظين ما كان لهم أن يتوصلوا إلى صفقة أفضل. والصفقة التي أصبح يطلق عليها الاتفاق الأميركي المكسيكي الكندي مازالت بحاجة إلى تصديق من البرلمان الكندي ومن الكونجرس الأميركي.
وأثناء أول مناظرة، وهي التي شارك فيها ترودو، اتهم شير رئيس الوزراء بتقديم تنازلات كثيرة لدونالد ترامب دون الحصول على أي فائدة لكندا. لكن شير توخى الحذر هو أيضاً في انتقاداته للرئيس الأميركي. وبعد أن صرح ترامب بأنه يتعين على أربع عضوات في الكونجرس يمثلن أقليات في الولايات المتحدة العودة من حيث جئن، أدان شير «التعليقات المثيرة للفرقة». لكنه امتنع، مثل ترودو، عن وصف تصريح ترامب بأنه عنصري. لكن هذا الموقف ترك شير وترودو عرضة الانتقادات من اليسار لافتقارهما للشدة مع ترامب. وأثناء المناظرة، هاجم سينغ الزعيمين لتقاعسهما عن توجيه إدانة شديدة لسياسات إدارة ترامب حول الهجرة، ولقيام أجهزة إدارته باحتجاز أطفال على الحدود المكسيكية الأميركية.
وعلى الأرجح فإن الفوز في الانتخابات سيكون إما من نصيب ترودو أو شير. ومن ثم سيتعين على أي منهما التعامل مع ترامب بعد الفوز. ويرى روبرت بوثوول، أستاذ التاريخ الكندي في جامعة تورونتو، أنه من العسير التوصل إلى طريقة ملائمة للتحدث بها عن ترامب في حملة الانتخابات الكندية. وأضاف موضحاً: «هذا يشبه السير على أطراف الأصابع حول تنين، مخافة إيقاظ الوحش».

*صحفية كندية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»