لسنا مهووسين أو مسكونين بهواجس المؤامرة، غير أن المنطق، وبعض من أوراق التاريخ، يقطعان بأنه إذا لم يكن التاريخ برمته مؤامرة، فإن المؤامرة قائمة في بطون التاريخ.
قصة مصر الفتية القوية الناهضة ترتبط ارتباطا جديا بمسيرة المؤامرة، أو قل استراتيجيات الدول الكبرى لجهة أن لا تظهر في بلاد العرب قوة إقليمية يحسب لها الحساب، قوة تستنهض بقية المنطقة لتجعلها رقما صعبا في المعادلة الأممية.
عدة مشاهد في القرنين السابقين توضح إلى أي حد ومد يصدق القول بأن هناك من لا يريد للمحروسة الخير، والبداية من عند محمد علي باشا المجدد، والذي تم تدمير أسطوله بالقرب من اليونان من قبل القوى الأوروبية لإفشال مشروعه التحديثي في مسيرة مصر الخلاقة.
المشهد عينه تكرر مع ثورة المصريين عام 1919، وامتد التآمر خلال الفترة الليبرالية المصرية من أوائل العشرينات وحتى عام 1942، لتموت تجربة نهضوية ديمقراطية مصرية غير مسبوقة.
وحين أشرق فجر ثورة يوليو 1952 وبدأت مصر كريادة وقيادة عربية جديدة، بل وأفريقية، وبشراكة آسيوية، كان لابد من تحطيم مشروع عبد الناصر، والذي تحطم بالفعل عبر بوابة هزيمة 1967، غير أن مصر لم تنكسر، بل واستطاعت الصمود والتحدي، إلى أن أدهشت العالم بنصر أكتوبر المجيد عام 1973.
حاول المتربصون بمصر أن يكرروا التجربة الآثمة عام 2011 بهدف إضعاف مصر، غير أن وعي المصريين، والتجربة التاريخية القابعة تحت الجلد المصري جنّبا مصر الوقوع في الفخ الامبريالي الاستعماري التقليدي. الكارثة الحقيقية في مسألة المؤامرة الأممية تتضح حين يكون الطابور الخامس هو صاحب الصوت الأعلى، وأن ينجر وراءه المرجفون والخائفون، الجاهلون والحاقدون، وهم على رغم قلتهم، والذين لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة عدداً، فإنهم كالعملة المزيفة تطرد العملة الجيدة، ولا تفسح لها مكانا.
منذ 30 يونيو 2013 وحتى الساعة لم تنفك جبهات الشر الخارجية تعمل جاهدة على تفكيك وتفسيخ النسيج الاجتماعي المصري، والوقيعة بين المصريين أنفسهم، تارة باللعب على أوتار الطائفية المذهبية، وتارة أخرى عبر الغزل غير الرقيق على الأصوليات الضارة والقاتلة، وثالثة من خلال استغلال الدور الجهنمي الذي تقوم به وسائط التواصل الاجتماعي، ورغم أن جميعها أخفقت في الإيقاع بمصر والمصريين، إلا أن تلك الهيئات والمؤسسات ولا نغالي إن قلنا الدول الموكول إليها نشر سر الإثم حول العالم لا تزال تضع مصر كهدف استراتيجي.
دعونا نذكر بما قاله أحد مدراء الاستخبارات المركزية الأميركية السابقين «جيمس وولسي» عام 2003 في محاضرة له في جامعة لندن، قبل غزو العراق بأسابيع قليلة حين أشار إلى أن: «العراق الهدف التكتيكي، والسعودية هي الهدف الاستراتيجي، أما مصر فتبقى دائما هي الجائزة الكبرى»، والحديث منشور صوت وصورة على العديد من وسائل التواصل الإعلامي ويمكن الاستماع إليه في أي وقت.
هل كانت الزوبعة الأخيرة في الفنجان الملوث واحدة من تلك المحاولات التي أرادت تعطيل سيرة ومسيرة مصر البازغة، مصر فجر التاريخ كما وصفها جيمس هنري بريستد ذات مرة؟
قبل الجواب يمكن القطع بأن مصر حكومة وشعباً قد قطعا عهداً على النفس بأن تعود أرض الكنانة لتشرق من جديد على العالم، بنور من المودات والمعرفة، ومن التسامح والتصالح، من البناء وليس الهدم، ومن الرخاء لا العوز.
الناظر إلى مصر اليوم يرصد بعين موضوعية ما يجري من بناء وعمران، ومن إعادة ترسيخ ملامح ومعالم الدولة الحديثة، غير أن عين السخط تبدي المساوئ كما قال الشاعر.
يمكن القول بأن هناك صعوبات في الطريق، غير أن أي أمة أرادت أن تبني ذاتها، لابد وأن تعرف العرق والدموع والدم، كما قال تشرشل لمواطنيه من أجل التصدي والتحدي للقوى النازية. ومصر بدورها لا تزال في مواجهة جذرية مع الأصوليات الشريرة، وما يقوم به التنظيم الدولي للإخوان المسلمين خارج مصر في الوقت الراهن يؤكد أن مصر لا تزال مستهدفة في أعز ما تملك، في جيشها الذي يمثل سويداء القلب منها، والبوابة الحصينة التي لا يمكن اختراقها.
في مؤتمر الشباب الذي عقد الأسبوع الماضي تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي في صدق وصراحة متناهيين، كاشفا الحقائق برمتها أمام مصر والمصريين، كما بعث برسائل للخارج عسى يفهم المتآمرون.
أكد السيسي على أن المستهدف هو الجيش المصري، والذي يعد مركز الثقل الحقيقي لمصر وللمنطقة بأكملها، والرجل لا يماري ولا يواري، فهذه حقيقة واضحة عبر سجلات الجيوش حول العالم وفيها يحتل الجيش المصري المركز العاشر أو الحادي عشر، ما يعني أنه قوة إقليمية لا يستهان بها. لم تعد الحروب المباشرة هي الطريق لهدم الدول، ولهذا استعاضت عنها بالدس والتآمر من الداخل، وعبر التطرف والإرهاب.
يعي المصريون أبعاد المؤامرة وهم أقوى منها في الحال والاستقبال.
*كاتب مصري