من أهم الدراسات السياسية تلك التي تتعلق بعملية اتخاذ القرار. ومن أهم القرارات تلك التي تتخذها الإدارة الأميركية. ومن أهم ما يعنينا في هذه القرارات تلك التي تتعلق بالشرق الأوسط.
صدر مؤخراً كتاب يلقي أضواء ساطعة على عملية اتخاذ القرار في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. ومن أهم تلك القرارات، القرار الذي يتعلق أولاً بمصر والانقلاب على الرئيس حسني مبارك واعتقاله. ثانياً بليبيا والانقلاب على الرئيس معمر القذافي ومقتله. ثالثاً، بسوريا واستخدام السلاح الكيماوي.
شغل مؤلف الكتاب بن رودس منصب المستشار السياسي للرئيس أوباما، وكاتب خطاباته. وكان أول خطاب كتبه له، هو الذي ألقاه الرئيس في جامعة القاهرة في عام 2009 بعد فترة قصيرة من انتخابه. وفيه أعلن فتح صفحة أميركية جديدة مع الإسلام. أما عنوان الكتاب فهو: «العالم كما هو اليوم: مذكرات البيت الأبيض في عهد أوباما» The World As It is Today: A memoir of the Obama White House.
يقول المؤلف إن أوباما اتخذ شعاراً له وهو «لا تقم بأعمال غبية». وهذا يعني أن سلفه جورج بوش الابن قام بأعمال غبية، كان اجتياح العراق أشدها غباءً. فقد اعتبر أوباما الاجتياح بأنه من أسوأ المغامرات الأميركية في التاريخ الحديث.
يتوقف المؤلف أمام موقف أوباما من ثلاث تجارب تجرّع العالم العربي مراراتها ولا يزال. كانت التجربة الأولى في مصر عندما احتلت الجماهير المصرية ساحة التحرير في قلب العاصمة القاهرة.
وحسب المؤلف نصح نائب الرئيس جورج بايدن، ووزير الدفاع روبرت جيتس، ووزيرة الخارجية هيلاري كلنتون، الرئيس أوباما بالتريث في تشجيع أي عمل يمكن أن يطيح بالرئيس مبارك، لأنه ليس من المؤكد بعد أن تكون الديمقراطية هي البديل. وبالفعل فإن الإطاحة بمبارك أدت إلى وصول «الأخوان»، ثم أدى وصولهم إلى انقلاب عليهم.
أما الدرس الثاني في عملية اتخاذ القرار فكانت ليبيا مسرحاً له. وذلك عندما هدد الرئيس السابق معمر القذافي باجتياح مدينة بنغازي بالقوة العسكرية والانتقام من أهلها المعارضين له.
هنا قدمت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس مطالعة لبناء القرار الأميركي عليها. وفي تلك المطالعة ذكّرت بمأساة رواندا في أفريقيا وبما يمكن أن تتعرض له بنغازي. يومها اتهم الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بأنه «سمح» بوقوع مجزرة رواندا، أبشع الجرائم ضد الإنسانية في القرن العشرين، وانه بالتالي يجب تجنب الوقوع في الخطأ ذاته بعدم السماح بوقوع مجزرة بنغازي.
مع ذلك يقول المؤلف إن الرئيس طلب منه إعداد نصّ يبرّر فيه عدم التدخل إذا ما حدثت المجزرة بالفعل، إلا أن الذي حدث هو أن التدخل العسكري في ليبيا أدى إلى مقتل القذافي وإلى انتشار الفوضى. وفي رأي المؤلف أن وقوع المجزرة كان مجرد احتمال. أما وقوع الفوضى فأصبح واقعاً.
يتعلق الدرس الثالث في دراسة القرار السياسي الأميركي بالتهديد الذي وجهه الرئيس أوباما إلى الرئيس السوري بشار الأسد إذا ما استخدم الأسلحة الكيماوية، مؤكداً على أن استخدامها يشكل خطاً أحمر. ولكن الرئيس الأسد تجاوز هذا الخط الأحمر من دون أن يحرك الرئيس أوباما ساكناً، فلماذا؟
يجيب المؤلف على هذا السؤال بأن الرئيس الأميركي كان يخشى من أن يؤدي الرد الأميركي العسكري على استخدام السلاح الكيماوي في سوريا إلى اتساع رقعة الصراع المسلح في المنطقة.. فآثر أن يُتهم بالضعف على أن يُتهم بالتسبب في انفجار عسكري قد يصعب احتواؤه.
يقف وراء هذا الخيار الاستراتيجي عامل نادراً ما توقف أمامه دارسو القرار الأميركي. وهذا العامل هو أن الرئيس أوباما كان الرئيس الأميركي الأول الذي يعود إلى أصول أفريقية. وانه كان حريصاً على أن يترك انطباعات إيجابية حول رئاسته سواء داخل الولايات المتحدة أو في العالم.
أوباما كان يدرك أن اتهامه بالضعف يسيء إليه. إلا أنه كان يدرك أيضاً أن اتهامه بالتهور السياسي وبالتورط العسكري يسيء إلى الأميركيين السود والى طموحاتهم بأن تبوؤا مواقع أكثر فعالية في صناعة القرار الأميركي. وقد لعب هذا الإدراك دوراً أساسياً في منهج اللاقرار، أو التهديد دون التنفيذ الذي تميزت به رئاسته.