العنصرية في إسرائيل عنصريتان. واحدة ضد الفلسطينيين (المسلمين والمسيحيين)، والثانية ضد اليهود الإثيوبيين. تقوم العنصرية الأولى على خلفية قومية – دينية، أما العنصرية الثانية فتقوم على خلفية لون البشرة. فالإثيوبيون أفارقة سود، لم تشفع لهم يهوديتهم بالحصول على حق المساواة في المواطنة.
يبلغ عدد اليهود الإثيوبيين في إسرائيل 150 ألفاً. أي ما يعادل 1,7 بالمائة من عدد السكان. وقد هاجروا –وهُجروا إليها- على دفعات. وخاصة عندما ضربت إثيوبيا المجاعة واستوطنها الجفاف. ولم يبقَ منهم فيها أحد، مع انهم عاشوا فيها قروناً عديدة. تركوا كنسهم خاوية على عروشها، بعد أن غُرر بهم «للعودة إلى الوطن الموعود». فإذا بهاذ الوطن يعاملهم مواطنين من الدرجة الثانية.
فعلى صعيد العقيدة فإن حاخام إسرائيل لا يعتبرهم يهوداً خالصين. وقد فرض على كل واحد منهم «العودة» إلى اليهودية أو تجديد إيمانه باليهودية، بمن فيهم حاخاماتهم الذين هاجروا معهم. وهم يخضعون لمراقبة بوليسية متشددة بعد أن جُمعوا في أحياء مغلقة وخاصة بهم. لا يخالطهم اليهود الآخرون ولا يختلطون بهم، على النحو الذي هو قائم في العديد من مدن الولايات المتحدة مع الأميركيين الذين يتحدرون من أصول أفريقية. فاليهودي الإثيوبي الأسود معرّض للاعتقال ثلاث مرات أكثر من اليهودي الآخر. وحتى الأحياء المغلقة بهم خاضعة للمراقبة البوليسية الدائمة.
في الأساس فان اليهود الأوروبيين جاؤوا إلى إسرائيل من مجتمع متخلف نسبياً. ومعظمهم كان يعمل في الزراعة. غير أن الاقتصاد الإسرائيلي اقتصاد متطور تقنياً وصناعياً. ولذلك بقوا خارجه. والفقر الذي هربوا منه في إثيوبيا يلازمهم في إسرائيل.
بعد مرور عقدين من الهجرة، لم يلتحق سوى 22 بالمائة من أبنائهم في المدارس. هذا الأمر يختلف مع اليهود الآخرين الذين هاجروا إلى إسرائيل من روسيا وبولندا وألمانيا، وكذلك من المغرب واليمن. ولا يعود ذلك إلى تخلف عقلي عند اليهود الأثيوبيين، ولكنه يعود إلى لون بشرتهم السوداء.
الغريب في هذا الأمر أن اليهود الذين عانوا من الاضطهاد والتمييز العنصري في أوروبا (شرقاً وغرباً) وحتى في الولايات المتحدة، يمارسون هذا الاضطهاد ليس فقد ضد العرب المسلمين والمسيحيين، ولكنهم يمارسونه ضد اليهود الإثيوبيين. وعندما مارسوه ضد أميركيين سود تهوّدوا، تخلى هؤلاء عن اليهودية وعادوا إلى الولايات المتحدة، والى كنائسهم الإنجيلية المحلية.
تنظم إسرائيل عادة الاحتفالات لاستقبال اليهود الذين قرروا الهجرة من دولهم للاستيطان في إسرائيل باعتبارها «الوطن الموعود». غير أن هذا التقليد يستثني اليهود الإثيوبيين.
عندما احتلت ألمانيا النازية فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية لجأ عشرات الآلاف من اليهود الفرنسيين إلى المغرب –هرباً من الاضطهاد والتصفيات الجسدية- يومها طالبت حكومة فيشي المتعاونة مع الألمان بتسليمهم إليها –كما طالبت بتسليم اليهود المغاربة أيضاً- بحجة أن المغرب كان في ذلك الوقت يقع تحت الانتداب الفرنسي.
رفض ملك المغرب (محمد الخامس) الطلب، واعتبر اليهود المغاربة مواطنين، واليهود الوافدين مستأمَنين، على الدولة واجب حمايتهم ورعايتهم، ورغم الضغوط التي تعرض لها المغرب في ذلك الوقت، فإن الملك تمسك بموقفه، وقد دفع ثمن ذلك فيما بعد النفي إلى جزيرة مدغشقر التي كانت تحتلها فرنسا.
بعض –أو معظم- هؤلاء اليهود المغاربة عاد بعد الحرب العالمية الثانية إلى فرنسا.. ومنهم من هاجر إلى إسرائيل. ولا تزال طائفة منهم تعيش حتى اليوم في المغرب بأمن واطمئنان.. ومن دون أي تمييز.
المقارنة بين ما يتعرض له المهاجرون اليهود الإثيوبيون في إسرائيل اليوم، وما تعرّض له المهاجرون اليهود الفرنسيون في المغرب بالأمس، ترسم علامة استفهام كبيرة حول أي مشروع يطرح لتسوية سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.