في يوم اللغة العربية الذي نحتفل به يوم 18 ديسمبر من كل عام سيتحدث الجميع عن جمال اللغة العربية وثرائها الكمي من المفردات والمترادفات الذي يجعل منها لغة شاعرية ومرنة وفياضة الدلالات.. لنغير الزاوية وننظر للغة العربية التي هي الإطار الذي نؤطر فيه ثقافتنا وهويتنا والوعاء الجامع لفكرنا الجمعي للمجتمع الإماراتي خاصة والمجتمع العربي عامة. ولكن هناك بعض الثقوب تصيب ذلك الوعاء وحين نقترب أكثر من تلك الثقوب سنكتشف أنها بدأت تسرب هويتنا وثقافتنا ويجب أن ننتبه لذلك.
دعونا نتخلى قليلاً عن البلاغة الاحتفالية باللغة العربية، ونزيل عن أعيننا بعضاً من غمامة المديح لنرى المشهد واضحاً، وندرك أن تلك الثقوب إن لم ننتبه لها ونغلقها ستتحول إلى شروخ وتتشعب، وكلما تناسيناها وتغافلنا عنها يؤدي إلى تحطم الوعاء وتفتت هويتنا وسمتنا الثقافي.
ثقب الأسرة: الطفل يتلقى إشاراته الأولى التي يبدأ على وقعها خطواته في الحياة من الأب والأم لنقترب من الواقع في مجتمعنا ونقول من المربية أيضاً التي هي الأزمة الكبرى والثقب الأوسع، الذي تتسرب منه الهوية، كيف يمكن أن يتعلم الطفل اللغة العربية وسط أسرة غير حريصة على التحدث باللغة العربية فيما بينهم، والطفل أكثر التصاقاً بالمربيات وهم غالباً من جنسيات غير عربية ولغتهم الرسمية للتحدث هي الإنجليزية، كيف ستنشأ علاقة قوية بين الطفل وبين لغتنا العربية والآباء لا يعملون على سد هذا الثقب! فهم حريصون على أن يتعلم الطفل اللغة الإنجليزية فيتحدثون معه بها، وتدمج مصطلحاتها مع اللغة العربية بلهجتها اليومية، ليبدأ تسرب الشعور بالهوية رويداً، دون أن يدرك الآباء المكونات التي تؤسس عليها شخصية الطفل تراكمياً.
ثقب المدرسة: يحرص الآباء أيضا أن ينتمي أبناؤهم إلى مدارس أجنبية، وهذا شيء جيد. فيبدأ الطفل التعلم في الروضة التعرف أكثر على اللغة الإنجليزية أو اللغات الأخرى، ولكن الإشكالية ليست في تعلمه، بل تكمن درجة الاهتمام بتأسيس اللغة العربية في وجدان الطفل، ففي المدارس ذات المناهج الأجنبية لا يهتموا كثيرا بتكوين اللغة العربية بنفس قدر الاهتمام بتأسيس اللغة الإنجليزية حتى نجد بعض المدارس تفرض على الطلاب التحدث باللغة الإنجليزية في معاملاتهم ما بين بعضهم البعض داخل المدرسة، فيستقر في وجدان الطفل، ويشب على أن اللغة الأخرى هي لغة التعامل اليومي واللغة العربية، هي لغة ثانية فيفقد الطفل في سنواته الأولى علاقته القوية باللغة العربية التي عليها يفترض أن تتشكل هويته وثقافته، لكن هذا التشكل يسير في اتجاه آخر.
يكبر الطفل وهو مشبع باللغة الأخرى، ويشب على التفكير بها ولا يستطيع التفكير باللغة العربية، وحين يبدأ في قراءة الكتب يبحث عن الكتب التي تتحدث باللغة التي يستطيع أن يفكر، ويكون ساعتها قد بدأت مرحلة زحزحة هويته اللغوية، وتشكل ثقافته على اللغة التي يقرأ بها ويفهم ويجيد التفكير بها تتسع الثقوب وتتسرب منها هويتنا حتى نجد أمامنا شباباً وفتيات علاقتهم بالهوية مهزوزة وغير واضحة ويقفون في منطقة رمادية ما بين هويتنا العربية وبين الهوية الأجنبية الأخرى.
خلال حضوري إحدى الندوات الثقافية بمعرض أبوظبي للكتاب العام الماضي كان يتحدث مجموعة من الشباب فوجئت بأحدهم يقول إنه سيتحدث بالإنجليزية لأنه يجد صعوبة في التعبير عن أفكاره باللغة العربية.. الشاب عربي والمكان عربي والجمهور عربي، ولكنه لا يجيد التعبير عن نفسه وأفكاره بالعربية ذلك هو النموذج الذي سيصل إليه شبابنا ما لم ننتبه. لذلك لابد أن تكون هناك خطوات ندعم بها تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها خاصة المربيات بأن يتم إلزام الأسر بتعليم المربيات العاملات في المنازل للغة العربية في مراكز متخصصة، على أن تكون إلزامية وشرطاً لتجديد الإقامة في الدولة، والمزيد من الرقابة والاهتمام بتدريس اللغة العربية في المدارس ذات المنهاج الأجنبي. ورسالتي لكل أب وكل أم تحدثوا مع أولادكم بلغتكم ولهجتنا، لا تساهموا في دفع أبنائكم إلى المنطقة الرمادية من الهوية فيفقدوا بوصلة هويتهم الإماراتية والعربية. أهم ما نقدمه للغتنا العربية في يوم الاحتفال بها ليس المديح وتعديد جمالياتها ومحاسنها وقوتها بل لنكن أكثر فاعلية ونكف عن الكلام الكثير ولنسرع ونعمل على سد تلك الثقوب النازفة في جدار هويتنا.