احتمى دبلوماسيون وجنود أميركيون يوم الثلاثاء الماضي بسفارة الولايات المتحدة في بغداد في ظل حصار من محتجين عراقيين اقتحموها احتجاجاً على هجمات أميركية على كتائب عسكرية مدعومة من إيران. لكن لا يوجد مشرعون أميركيون أو موظفون من الكونجرس في البلاد، رغم أن مثل هذه الزيارات معتادة أثناء العطلات. فقد حظر البنتاجون هذه الزيارات في ديسمبر في غمرة مخاوف من عدم الاستقرار الإقليمي.
وحصل كاتب هذه السطور على مذكرة غير سرية للبنتاجون صادرة يوم 16 ديسمبر الماضي مخصصة «للاستخدام الرسمي فقط»، وأشارت المذكرة إلى أن «كل الزيارات رفيعة المستوى من الحكومة الأميركية والكونجرس الأميركي والحلفاء إلى سوريا والعراق محظورة» حتى 15 يناير 2020. والمذكرة الموقعة من وزير الدفاع مارك أسبر تمثل موافقة على طلب تقدم به قائد القيادة الوسطى الجنرال كينيث مكينزي. والاستثناءات تتضمن الرئيس ونائب الرئيس ووزير الدفاع وقيادات الأسلحة العسكرية وقادة القيادات المشتركة. وصرح مسؤول رفيع المستوى من وزارة الدفاع يوم 18 ديسمبر أن «القيادة الوسطى أثارت مخاوف عن تقلص الموارد القادرة على استضافة شخصيات رفيعة المستوى وهشاشة الأوضاع في العراق والحاجة إلى مواصلة التركيز على دعم العمليات في سوريا. وهذا مجرد توقف مؤقت للسفر في فترة عطلات».
وفي الآونة الأخيرة، أظهرت سلسلة من الأحداث التوترات المتعلقة بالحضور الأميركي في العراق على السطح. فقد قُتل متعاقد أميركي وأصيب عدد من الجنود الأميركيين في هجوم على قاعدة أميركية تستضيف قوات أميركية يوم 27 ديسمبر. ويوم 29 ديسمبر الماضي، ردت الولايات المتحدة بضرب خمسة مواقع في العراق وسوريا مستهدفةً كتائب «حزب الله» المدعومة من إيران. ثم يوم 31 ديسمبر، اخترق أنصار هذه الكتائب جدران مجمع السفارة وأضرموا النار في موقع للحراسة وألقوا بقنابل حارقة فوق الجدران ورددوا شعار «الموت لأميركا». ومنعتهم قوات الحراسة من التقدم باستخدام القنابل المسيلة للدموع. وسارع الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتهام إيران بتدبير الهجمات وطالب قوات الأمن العراقية بحماية السفارة وهو ما فعلته في نهاية المطاف.
وعلق «البنتاجون» مؤقتاً زيارات أعضاء الكونجرس وكبار القيادات إلى العراق في أوقات سابقة كثيرة. لكن حظر هذا العام يوضح مدى تدهو الوضع الأمني في العراق في الأسابيع والشهور الماضية. وقام ترامب بزيارة مفاجئة للعراق في غضون هذا الوقت من العام الماضي، لكن هذا ليس ممكنا اليوم بسبب خطورة الأوضاع هناك الآن. وأقرب وقت زار فيه وفد من الكونجرس العراق، كان في نوفمبر الماضي برئاسة النائب «الديمقراطي» آدم سميث الذي يرأس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب. وهناك بالفعل مبعوثون آخرون من الكونجرس في الشرق الأوسط في الوقت الحالي لكن لا يوجد أي منهم في العراق أو سوريا، التي تم تقليص عدد الجنود الأميركيين فيها إلى نحو 600 جندي يقيمون في حقول النفط في محافظة دير الزور.
وقرار الكونجرس بإبقاء المشرعين بعيداً عن العراق وسوريا في فترة العطلات معقول من الناحية الأمنية الخالصة. لكن عدم وجود ما يكفي من العاملين في العراق لتوفير استضافة آمنة لمشرعين وموظفين، يطرح أسئلة عن خطط إدارة ترامب لتقليص عدد أفراد السفارة الأميركية هناك. فقد ذكرت مجلة «فورين بوليسي» في الآونة الأخيرة أن وزارة الخارجية تعتزم تقليص الفريق الدبلوماسي في العراق بنسبة 28% بحلول نهاية مايو 2020 بإلغاء 114 وظيفة في سفارة بغداد وحدها. ومع تفاقم الوضع الأمني في العراق يجب على إدارة ترامب التركيز على الدبلوماسية، ويجب على الكونجرس أن يركز على الرقابة. لكن هاتين المهمتين الحيويتين وقعتا ضحية تصاعد العنف.
*كاتب أميركي متخصص في الشؤون الخارجية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»