على مدى ثلاث سنوات، كانت هناك مقولة شعبية مؤداها أن الرئيس دونالد ترامب لم يزج بنا في حرب، وأن ميله إلى عدم التدخل في الخارج وتركيزه على السياسة الداخلية أدى إلى أسلوب سلمي نسبياً في السياسة الخارجية.
هذه النظرية تجاوزتها الأحداث الآن في وقت يتخبط فيه ترامب وفريقه في ما بات من دون شك أكبر وأخطر أزمة في السياسة الخارجية خلال رئاسته. وبغض النظر عن الفوائد التكتيكية لقرار ترامب قتل قاسم سليماني، إلا أن عجز إدارة ترامب عن تجاوز المرحلة المعقدة لما بعد الضربة أو بناء توافق داخلي لدعم استراتيجيتها الخطيرة أصبح واضحاً على نحو متزايد.
رسائل الإدارة المتضاربة وغير المنسجمة بشأن الظروف المحيطة بالضربة، وافتقارها لخطة للتعاطي مع التداعيات، وإصرارها على تسييس الموضوع... جميعها مؤشرات تبعث على القلق.
المؤشر الأول على أن الإدارة الأميركية قتلت سليماني من دون فهم لتداعيات ذلك جاء في وقت متأخر من ليلة الخميس، عندما نشر البنتاجون بياناً يؤكد موت سليماني. إذ جاء في نص البيان أن الجنرال الإيراني «كان منهمكاً في التخطيط لمهاجمة دبلوماسيين وعسكريين أميركيين في العراق وعبر المنطقة».
وصباح الجمعة، قال وزير الخارجية لشبكة «سي إن إن»، «لقد كان ثمة تهديد وشيك في الحقيقة»، زاعما أنه كان ثمة تقييم استخباراتي يؤكد ذلك. كما قال بومبيو إنه «يتوقع» أن الناس «في إيران سينظرون إلى العمل الأميركي الليلة الماضية باعتباره يمنحهم الحرية». غير أنه بالنظر إلى آلاف المحتجين المناوئين لأميركا الذي خرجوا لشوارع إيران، فإن ذاك التوقع يبدو الآن مغرقا في التفاؤل.
والواقع أن كون سليماني كان منخرطاً في التخطيط لهجمات ضد الأميركيين شيء من السهل تصديقه. ولكن رسائل الإدارة المتغيرة دائما ورفض هذه الأخيرة تقاسم المعلومات الاستخباراتية مع الجمهور يُضعفان دعوتها لدعم عمل ترامب. ولا غرو أن «ديمقراطيي» الكونجرس يطالبون الآن بإزالة طابع السرية عن المبرر القانوني للضربة.
الإدارة الأميركية أضرت بقضيتها أكثر من خلال محاولتها تحميل إدارة أوباما مسؤولية سلسلة الأحداث الأخيرة مع إيران، مقدمةً ادعاءات واهية بخصوص كيف أدى الاتفاق النووي الإيراني إلى الأزمة التي نراها اليوم. وهذا يسيّس الموضوع على نحو غير ضروري.
وفي هذا الصدد، قال «بومبيو» لبرنامج «فوكس نيوز صانداي»: «في 2015، يمكن القول إن إدارة أوباما-بايدن سلّمت القيادة الإيرانية السلطة، وتصرفت كشبه حليف لهم عبر تمويلهم، تمويل الميليشيات نفسها التي قتلت أميركيين».
والواقع أنه صحيح أن الاتفاق النووي الذي وقع مع إيران في عهد أوباما لم يعالج السلوكات المؤذية من النوع الذي كان سليماني مسؤولا عنه، ولكن الإشارة إلى إدارة أميركية على أنها «شبه حليف» للقيادة الإيرانية كلام ناري ينم عن تعصب حزبي. والحال أن إدارة ترامب قررت الانسحاب من الاتفاق، وفرضت «الضغط الأقصى»، لردع إيران، ولهذا، عليها أن تتحمل المسؤولية عن تلك السياسة وتداعياتها.
إدارة ترامب تبدو أيضا غير مستعدة للتعاطي مع تداعيات قتل سليماني. فقد أفاد موقع «أكسيوس» الإخباري أن فريق ترامب يحاول إقناع الحكومة العراقية بالإبقاء على الجنود الأميركيين هناك (ويفشل)، رغم عدم التشاور معهم بشأن الضربة التي استهدفت سليماني سلفا. والحل الذي يقدمه ترامب هو تهديد حليفنا العراق بعقوبات «مثلما لم يروا أبدا من قبل».
ترامب وفريقه يطلبون من الشعب الأميركي أن يثق في أنهم سيديرون أزمة خطيرة ومعقدة بحذر. غير أن أقل ما يمكن أن يفعلوه هو أن يتقاسموا مزيداً من المعلومات، ويسعوا للتحقق من أن الجميع لديه فهم صحيح بشأن الوضع، والكف عن التعامل مع موضوع إيران كأنه كرة قدم سياسية.

*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»