شهدت الأيام الأخيرة، وعلى مدار الساعة تقريبا، تتابعاً في أخبار مزعجة حول مدى ونطاق وفداحة فيروس كورونا الجديد الذي ظهر مؤخراً في إحدى المدن الواقعة شرق الصين. فحتى تاريخ كتابة هذا المقال، بلغ عدد حالات الإصابة المؤكدة قرابة الثلاثمائة، في مدن الصين الكبرى، مثل بكين وشنغهاي، بينما يرى بعض المتخصصين أن العدد الحقيقي قد يتخطى عدة آلاف، كما بلغ عدد الوفيات 6 حالات حتى الآن. وتمكن الفيروس من الانتقال إلى عدة دول قريبة أو محيطة بالصين، حيث تم تأكيد حالات إصابة سابقا في تايلاند واليابان، ومؤخراً في تايوان وكوريا الجنوبية.
وربما كان أكثر تلك الأخبار سوءاً وفداحة، هو تأكيد المفوضية الصحية الوطنية في الصين يوم الاثنين الماضي، على أن الفيروس يمكنه الانتقال من شخص إلى آخر، دون الحاجة إلى عائل أو وسيط. وتأكد علماء المفوضية من هذه الحقيقة المفزعة، بعد إصابة شخصين في مقاطعة «جواندونج» بهذه الطريقة، بالإضافة إلى 15 من أفراد الطاقم الطبي انتقلت إليهم العدوى، أحدهم في حالة خطرة، يفترض أن الفيروس انتقل إليهم أثناء قيامهم على رعاية حالات مصابة.
وانطلاقاً من هذه الخلفية، يعتقد أن منظمة الصحة العالمية ستقوم، بإعلان حالة طوارئ صحية عالمية (International Public Health Emergency)، على نفس منوال إعلانها للطوارئ وقت انتشار فيروس أنفلونزا الخنازير، وفيروس الإيبولا. مثل هذا الإعلان، إن حدث، فسيعتبر نداء عاجلاً لتنسيق استجابة عالمية بين مختلف دول العالم، يجب أن تتخطى الحدود الجغرافية، والصراعات السياسية، والاختلافات العرقية والدينية.
ويظل مصدر أو منشأ هذا الفيروس مجهولاً، وإن كان الاعتقاد الشائع أنه تمكن من كسر حاجز النوع، أي تمكن من الانتقال من نوع من الكائنات الحية كان منتشراً بينه عبر التاريخ، إلى نوع جديد من الكائنات الحية، أي الإنسان في هذه الحالة. ويدعم هذا الاعتقاد حقيقة أن بداية ظهور الفيروس كانت في سوق لبيع الأسماك ومختلف أنواع الحيوانات الحية الأخرى. والمعروف أن مثل هذه الأسواق في الصين، تزخر بحيوانات لا تجد طريقها إلى مائدة الطعام البشرية إلا في الصين، منها حيوانات برية تعيش في الغابات والمناطق النائية. وإذا ما تأكد ذلك السيناريو، فلن يكون جديداً، فلطالما عانى أفراد الجنس البشري أمراضاً انتقلت إليهم من الحيوانات، وهي المعاناة التي تفاقمت مع استبدال إنسان الكهف لحياة الصيد والجمع بالحياة الزراعية، التي تطلبت تدجين الكثير من الحيوانات، كالماشية والدواجن.
ويمكن أن نقسم الأمراض التي تنتقل إلى الإنسان من الحيوانات إلى قسمين: الأول تصيب فيه الميكروبات والجراثيم والطفيليات الحيوانات، ولكن لا يمكن للميكروب أن يستكمل دورة حياته، دون العيش داخل جسم الإنسان أيضاً، خلال فترة معينة من فترات نموه وتطوره. أفضل مثال على هذا القسم، مرض الملاريا، والبلهارسيا، والتي يوفر كل من الإنسان والحيوان معاً، المأوى والغذاء للجراثيم والطفيليات المسببة لها، خلال فترة معينة من فترات حياتها.
أما المجموعة الثانية، فهي مجموعة الأمراض التي تصيب في الأصل الحيوانات، وأحيانا ما تنتقل أيضا إلى الإنسان. وتختلف هذه المجموعة، والمعروفة طبياً بمجموعة الأمراض الحيوانية-الإنسانية، عن المجموعة الأولى في كونها لا تحتاج إلى الإنسان، بل غالبا ما تكتفي بالحيوان كي تعيش وتزدهر. بعض أفراد هذه المجموعة هي أمراض معروفة وشهيرة، مثل الجمرة الخبيثة، والطاعون، والسُّعار أو مرض الكلب، ومرض «التيفوس»، ومرض «السالمونيلا»، بالإضافة إلى فيروس حمى «الإيبولا»، وفيروس حمى «اللاسا».
وغالباً ما تتمكن الجراثيم، وخصوصاً الفيروسات، من تحقيق هذه النقلة النوعية، أي من نوع إلى آخر، من الحيوان إلى الإنسان، بعد حدوث طفرة جينية في تركيبتها الوراثية، تمكنها من التغلب على جهاز المناعة، ووسائل الدفاع الحيوية الأخرى، ومن ثم غزو الجسم البشري. والمشكلة الكبرى في هذه النوعية من الجراثيم المنتقلة أو القافزة بين الأنواع، أن جهاز المناعة البشري لا يوجد سابق خبرة لديه بها، ولا يمتلك وسائل الدفاع ضدها، وخصوصاً الأجسام المضادة، حيث إنه لم يتعرض لها خلال رحلة التطور البيولوجي للإنسان عبر ملايين السنين. كما أن الطب الحديث لا يمتلك التطعيمات الواقية منها، أو الأدوية والعقاقير القادرة على التخفيف من وطأتها وعلاج تبعاتها. هذه المكونات جميعها، ترسم الخطوط العريضة لسيناريو من الرعب، يتمكن فيه فيروس من القفز من الحيوان إلى الإنسان، ثم من إنسان إلى آخر، ليجد أمامه الساحة خالية، والدفاعات غير فعالة أو متيقظة، ليتحول في زمن قصير إلى وباء عالمي، لا يبقي ولا يذر.