تعد آلة القانون بمثابة الدستور لكافة آلات الموسيقى الشرقية، حيث يشمل على ثلاثة دواوين ونصف الديوان، وبهذا تغطي كافة المقامات الموسيقية، مما يجعلها أغنى الآلات الموسيقية نغماً، فهي تعد الآلة الأم في الشرق، مماثلة لأهمية آلة البيانو في الغرب، القانون يرجع في أصله إلى آلة وترية قديمة تسمى بـ«قانو»، وهي تعود إلى العصر الآشوري (744-612) ق.م، حيث عثر على نحت لآلة «قانو» الأشورية في المتحف الوطني العراقي بغداد، يذكر الباحثون أن العصر العباسي شهد دخول آلة سُميت بـ (النزهة)، وهي شبيهة بآلة «قانو» الأشورية.
طوّر أبو نصر محمد الفارابي (870-950 م) آلة «النزهة» مضموناً وشكلاً، واشتهر الفارابي بتمكنه من علم الموسيقى وبمعرفته وإتقانه علوماً أخرى كالفلك، والفلسفة، والفيزياء، والمنطق، وكان يجيد العزف ببراعة على عدة آلات، منها العود والناي والقانون، ويرجع الفضل له في تطور علم الموسيقى نظرياً وعملياً، وله أهم المؤلفات في مجال تطوير الموسيقى الشرقية، ومنها كتاب (كلام في الموسيقى)، و(إحصاء الإيقاع)، و(كتاب في النقلة)، و(الموسيقى الكبير)، وهذه المؤلفات أصبح لها دور كبير في تطوير علم الموسيقى، وأدخل الفارابي تحسينات على ما يقارب من 30 آلة موسيقية مختلفة بالقياسات الدقيقة، وبقواعدها الفيزيائية والرياضية المطورة، ومن بينهما آلة العود وآلة «النزهة» والشهرود «الشاه رود»، وآلة الشهرود هي مزدوجة الشكل، تتكون من آلة النزهة في الأسفل، وآلة الهارب في الأعلى.
وقد ذكر الفارابي في كتابه الموسيقى الكبير: «من الآلات المشهورة في مملكة العرب آلة تسمى بالشهرود، وهذه إنما استنبطت في زماننا نحن، ولم تكن تعرف فيما خلا من زمان، وأول من استخرجها رجل من أهل سمرقند، حملها إلى أرض بابل، حيث كان بها أعظم ملوك العرب في ذلك الزمان، ثم أدخلها مدينة بغداد... ثم حملت إلى بلاد مصر وما وراءها، وسلك بها في بلدان الجزيرة والشام، فلم يكنْ شيء مما وجد فيها من النغم متنافراً لأحد من الناس».
إذ يرجح الكثير من الموسيقيين أن الفارابي هو الذي استنبط من الشهرود وآلة «النزهة» صناعة آلة مماثلة في بعض الصفات، ولكنها محسنة في الصوت والشكل، لتصبح آلة جديدة تعرف باسم «القانون»، إذ يعود الفضل له في صناعها، ويؤكد ابن أبي أصيبعة في كتاب «طبقات الأطباء»، أن الفارابي «صنع آلة يستمع منها إلى ألحان بديعة، تثير الانفعالات»، يرجح أن هذه هي آلة «القانون».
كما يتفق ابن خلكان مع أبو أصيبعة، أن الفارابي ابتدع هذه الآلة، بينما يشير بعض الباحثين أن الفارابي أدخل بعض التحسينات على آلة «القانون»، وعدل شكلها ليصبح شبه منحرف بزاوية قائمة وهو الشكل المتداول حالياً، يجب الإشارة إلى أن آلة القانون عبر التاريخ اتخذت أسماء وأشكالاً مختلفة بين المربع، والمستطيل، وشبه المنحرف، والجدير بالذكر أن آلة القانون انتقلت من الشرق إلى الغرب عن طريق الأندلس -فترة حكم العرب في الأندلس- الفترة التي برزت فيها إنجازات العلماء المسلمين العلمية والعملية، ويذكر محمد الشقندي، الكاتب الأندلسي، أن آلة «القانون» كانت من أهم وأبرز الآلات الموسيقية المتداولة في الأندلس، وانتشرت كذلك في جنوب شرق آسيا عن طريق التجارة.
وأما في العصر الحديث، فيوضح الفنان العالمي، نصير شمه، وجود مدرستين في صناعة آلة «القانون»: المدرسة المصرية القديمة والمدرسة التركية الحديثة، ويتحدث عن اختلافات جوهرية بين «القانون» المصري ونظيره التركي، في خامة الصوت التي ترجع إلى اختلاف المواد المصنعة، ويذكر بأن خامة صوت «القانون» المصري، وثبات نغماته وصلابته، يفوق «القانون» التركي، ويشير بسام عبد الستار، أستاذ «القانون» في «بيت العود العربي»، إلى أن الاختلاف الحقيقي بين المدرستين هو في أسلوب العزف، وهو ما جعل لكل مدرسة شخصية منفردة، وهوية تميزها عن غيرها.