سجل العلماء ارتفاع مستوى البحار ما بين 2.7 و3.5 ميلليمتر سنوياً، وذلك طوال الفترة ما بين عامي 1993 و2017، حيث بلغ ارتفاع سطح البحر 19 سنتيمتراً في القرن العشرين.
وسجل العلماء إحصائية أخرى، وهي أن ارتفاع مستوى البحار سنتيمتر واحد يتطلب ذوبان ثلاثة تريليون طن من الثلوج، ماذا يعني ذلك؟ أن أكثر من مليار إنسان يعيشون على ارتفاع عشرة أمتار فقط من سطح البحر، وتواجه 140 دولة تضم ثلثي (3/2) المدن الساحلية في العالم احتمال فيضان البحر، لتغمر سواحلها التي تمتد على مسافة 1.6 مليون كيلومتر، ليس مصدر ارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات سببه ذوبان الثلوج فقط، فالدراسات العلمية تؤكد أن «خمسي» هذه المياه مصدرها ارتفاع حرارة مياه البحار ذاتها وتمددها نتيجة ذلك، فسواحل العالم تتآكل، ومن علامات ذلك: أن مدينة طوكيو هبطت أربعة أمتار في النصف الأول من القرن العشرين، ومدينة جاكرتا تهبط بنسبة 25 سنتيمتراً سنوياً، ولذلك قررت إندونيسيا نقل العاصمة إلى مدينة أخرى في جزيرة جاوة، وخليج سان فرنسيسكو في الولايات المتحدة كله يهبط أيضاً، ومدينة مومباي في الهند خسرت في عام 2000 وحده 18 متراً من شاطئها، والتآكل مستمر، والبحر يزحف نحو المدينة.
وبنجلادش بدأت مشروع «إعادة توطين» سكان السواحل في الداخل، وتحويلهم من العمل في الصيد إلى العمل في الزراعة، وشمل المشروع حتى الآن 160 ألف عائلة، وفي «فيجي» غمرت مياه البحار- إضافة إلى المقابر الساحلية- منشآت سياحية وسكنية عديدة، وجرى نقل 117 ألف عائلة إلى مناطق أقل خطراً.. ولكن إلى حين! تمدد البحار وارتفاع مستواها يعني بالنسبة لمدينة نيويورك وحدها، تعرّض 72 ألف مبنى للغرق، وتقدر قيمة هذه المباني 129 مليار دولار.
ومن المحزن، أن الأمر لا يتوقف هنا، فالخبراء اليابانيون توقعوا تغييراً في المناخ من جراء ذلك، ويقولون إن من علامات ذلك، تراجع الأعاصير التي يشهدها خليج البنغال، والتي غالباً ما تفتك بجنوب بنجلادش وشرق الهند، بنسبة 31 بالمائة.
ولكن الكارثة لن تتراجع، ولكنها سوف تتوجه كما يتوقع هؤلاء الخبراء إلى بحر العرب، إذ سوف ترتفع نسبة الأعاصير إلى 46 بالمائة، ابتداء من عام 2020، وهكذا تصح مقولة «مصائب قوم عند قوم فوائد».
وتعرب منظمة اليونيسكو، عن قلقها الشديد من جراء الخطر الداهم، الذي يهدد 37 موقعاً أثرياً بالتآكل والغرق في مياه البحر المرتفعة، فيضانات البحار والمحيطات ستؤدي حسب دراسات أولية إلى تهجير 800 مليون إنسان من بيوتهم، ومن دولهم كذلك، فإلى أين يهاجرون مع ارتفاع موجات معارضة الهجرة لأسباب عنصرية وثقافية ودينية؟.. وكيف سيتعامل العالم مع هذه الظاهرة التي بدأت تهزّ العلاقات الدولية؟

من هنا السؤال: ما العمل؟
هناك التجربة الهولندية، وهي تجربة ناجحة، ذلك أن 27 بالمائة من أراضي هولندا تقع تحت مستوى البحر، وقد تعرضت عام 1953 إلى اجتياح فيضاني كبير، أدى إلى مقتل 2000 شخص، وإلى غمر 90 بالمائة من أراضيها الزراعية بمياه البحر المالحة، ولتجنب المأساة مرة جديدة أقامت هولندا سلسلة من السدود لحماية ذاتها من المد البحري، ويبلغ طول هذه السدود 40 ألف كيلومتر.
ولكن من يموّل بناء السدود الواقية من المد البحري المتسارع في القارات الخمس؟
عُشر المساعدات الدولية، التي تبلغ قيمتها السنوية 70 مليار دولار، تُنفق على احتواء الكوارث وتداعياتها، ولا يخصص شيء منها للإجراءات الوقائية، غير أن الإجراء الوقائي الأسلم كما يبدو هو الالتزام العالمي الشامل بتخفيض حرارة الكرة الأرضية لوقف ذوبان الثلوج.. ولوقف سخونة مياه البحار والمحيطات. وإلا.. فإن العالم معرّض للغرق.