«بناء الإنسان يختلف تماماً عن كل عمليات البناء العادية الأخرى، لأنه الركيزة الأساس لعملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة، وعليه مسؤولية دفع مسيرة الأمة»، تلك هي مقولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، والتي تُوجز مسيرة بناء المواطن في ظل توفير كافة الموارد اللازمة لتعليم وإعداد الموارد البشرية المواطنة في مختلف قطاعات العمل. وفي هذا الإطار، نلاحظ توفر 77 مؤسسة تعليم عالٍ تطرح ما يناهز 977 برنامجاً أكاديمياً معتمداً من وزارة التربية والتعليم، بجانب قطاع التعليم والتدريب المهني القوي المرادف للتعليم الأكاديمي. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما يقوم به «مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني» من جهود لإعداد وتأهيل الموارد البشرية الوطنية لشغل مهن غير مألوفة في مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، باعتبارها لا تتوفر في معظمها إلا في القطاع الخاص وبعض الأماكن في مواقع عمل معينة في القطاع الحكومي. وأبرز برامج مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني في هذا الإطار برنامج «تجارة التجزئة»، وهو امتداد لنجاح برنامج «نعم للعمل» الذي ينظمه المركز منذ عام 2013 ونجح خلاله في استقطاب وإعداد وتأهيل نحو أربعة آلاف مواطن ومواطنة للعمل في القطاع الخاص، مما يثبت تميز قدرات ومهارات أبناء الإمارات على العمل في مجالات ذلك القطاع الحيوي، تحقيقاً لسياسة التوطين.
وعلى صعيد آخر، هناك معارض التوظيف التي تعقد في كافة مدن الدولة، والتي تقوم بدور«حلقة الوصل» بين المواطن الباحث عن عمل وجهات العمل الراغبة في توظيف المواطنين. وتأتي كافة تلك الجهود لضمان توفير فرص العمل المناسبة للمواطنين في ظل اهتمام حكومي غير مسبوق بقضية «التوطين» والتي عبر عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي بقوله:
«دعم عملية التوطين يمثل أولوية لدينا في الحكومة.. وسنستمر في توفير كل مقومات دعم أبنائنا في مختلف القطاعات، ونحرص على متابعة توظيف كل ما من شأنه لإعداد نخب وطنية تواصل مسيرة العمل».
وضمن تلك الجهود الحكومية لوحظ إطلاق وزارة الموارد البشرية والتوطين مؤخراً، وبالتعاون مع بعض الجهات الحكومية الأخرى، «المنصة الوطنية للتوظيف الذاتي»، والتي تسمح للمواطنين كافة من أصحاب المهارات المميزة وتزيد أعمارهم عن 21 عاماً، تقديم الخدمات إلى الجهات الحكومية والخاصة بمقابل مادي نظير الخدمة المقدمة، والمفترض أن تكون تلك المنصة قد بدأت عملها الرسمي مطلع الشهر الجاري.
وقد تابعت شخصياً مؤخراً بعض التصريحات الصادرة من عدة جهات عمل في الدولة أثناء فعاليات بعض معارض التوظيف، ولاحظت تطوراً في غاية الأهمية ينحصر في تغير النظرة السائدة عن العمل في الشركات الخاصة لدى قطاع كبير من المواطنين، وخاصة حديثي التخرج بهدف اكتساب الخبرة الضرورية لبناء مسار وظيفي متميز لهم. واستتبع هذا الأمر قيام العديد من المواطنين بالتسجيل للعمل في مهن لم تكن مرغوبة قبل أربع أو خمس سنوات في قطاعات أيضاً جديدة بالنسبة للمواطنين، سواء في المجال الطبي أو الخدمات أو تجارة التجزئة. وبلا ريب، فإن هذا التطور يعكس مدى حاجة العديد من المواطنين لدخول مختلف قطاعات سوق العمل، بجانب الرغبة في العمل في الوظيفة التي تتوفر أمامهم لتوفير مصدر دخل ثابت يساعدهم على نفقات الحياة، ولكنه يثبت أيضاً نجاح خطط الدولة منذ عقود في توفير فرص التعليم الأكاديمي والمهني معاً لإعداد جيل من المواطنين قادر على العمل في مختلف المهن. ولكن الأمر ما زال يواجه العديد من التحديات التي سنتناولها المرة القادمة، رغبة في المساهمة بعرض ملف التوطين بكافة جوانبه لضمان نجاح برامجه وسياساته.