ملايين من الجراد الأخضر الزاهي تحط على المزارع أو تحوم فوق المدن في بقع سميكة وداكنة اللون بعضها باتساع عدة أميال. ومنذ منتصف عام 2019، دمرت أسراب الجراد غير المسبوقة المزارع في شبه الجزيرة العربية وشرق أفريقيا بينما هناك أكثر من 20 مليون شخص معرضين حالياً للجوع نتيجة هذه الأسراب. ويرى البعض في أسراب اليوم نبوءة توراتية، لكن أسراب الجراد الحالية تتعلق بأسباب دنيوية تتمثل في مزيج خطير من سوء المناخ والصراع البشري الذي خلق ظروفاً نادرة تمكن الجراد من التسبب في دمار واسع النطاق.
وفي الظروف العادية، تصبح حياة جراد الصحراء قصيرة ومنعزلة. فهي تعيش وتتكاثر وتموت في فرق منعزلة عبر قطاع قاحل من الأرض يمتد من الصحراء الكبرى في أفريقيا وشبه الجزيرة العربية وشمال غرب الهند، ولا يراها أحد غالباً في المنطقة، بل إن هذه الأسراب بعيدة عن أفكار معظم سكان العالم. لكن في بعض الأحيان يتساقط المطر في الصحراء، وحين يحدث هذا، تتزايد أعداد جراد الصحراء ويهاجر. وهذا ما بدأ يحدث عام 2018 بعد أن ضرب إعصاران شبه الجزيرة العربية في تتابع سريع مما ترك بركاً آسنة من المياه شكلت مرتعاً مثالياً للجراد. وفي غضون شهور، تضخم عدد الحشرات مرات عديدة عن حجمها المعتاد وبدأت تسافر بحثاً عن الطعام يحملها الريح التي تبلغ سرعتها أحياناً 60 ميلاً في اليوم نحو اليمن ثم إلى الصومال.
وفي البلدين، حظيت الحشرات بدعم من التوترات والصراعات لأن كثير من مراتعها كانت بعيدة عن متناول الحكومات ومنظمات المساعدات الإنسانية التي تسعى إلى قتل الحشرات قبل تكاثرها وانتشارها. وواصلت الأسراب نموها وانتشرت منذئد عبر قطاعات من كينيا وإثيوبيا وأوغندا وتنزانيا التي منحتها الأمطار الغزيرة بشكل استثنائي مراتع خصبة جديدة. وتعبر الحشرات الآن إلى جنوب السودان، وعدم الاستقرار والحرب الأهلية هناك سيجعل وقف انتشارها صعباً.
ويرى «بالدوين تورتو» العالِم المتخصص في الجراد في المركز الدولي لفسيولوجي الحشرات والبيئة في نيروبي بكينيا أن «الأزمة طبيعية ومن صنع الإنسان معاً. هناك دورة طبيعية للأعاصير في هذه المنطقة لكن هناك الكثير جداً من عدم الأمن في بعض أنحاء المنطقة وانهارت نتيجة لهذا أنظمة المراقبة للجراد والآفات الأخرى». وأشار خبراء آخرون إلى أن تغير المناخ ساهم أيضاً في الظروف المتطرفة التي ينتعش فيها الجراد. والحشرات لا تفعل شيئاً تقريباً إلا الأكل. فجرادة الصحراء تأكل يومياً من النبات ما يعادل وزنها البالغ جرامين. وهذا يعني أن سرباً يمتد لكيلو متر مربع وبه 40 مليون جرادة يمكنه التهام الكمية نفسها من الغذاء التي يلتهمها 35 ألف شخص في اليوم، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو).
وعلى امتداد شرق أفريقيا، خربت أسراب الجراد الحقول والمراعي. وهذا ترك أكثر من 20 مليون شخص عرضة للجوع، بحسب تحذير فاو، في منطقة هي الأكثر تعرضا لعدم الأمن الغذائي. والجراد حين لا يأكل فإنه يتناسل. وحذر خبراء من أن الأسراب الحالية وضعت البيض على امتداد المنطقة وإذا لم يتم تدمير هذا البيض، فقد تتزايد أعداد الجراد 500 ضعفاً بحلول يونيو المقبل. وأكثر الوسائل فعالية في القضاء على الجراد هو رشها بالمبيدات الحشرية من الطائرات وخاصة قبل أن تبلغ الحشرات النضج. لكن تحقيق هذا صعب في الأزمة الحالية لعدة أسباب.
وأحد هذه الأسباب، بحسب قول تورتو- المتخصص في الجراد في المركز الدولي لفسيولوجي الحشرات والبيئة في نيروبي- أن «الأسراب تصل إلى دول لم تشهد مثل هذه الأسراب إلا نادراً»، وبالتالي تفتقر غالباً إلى الموارد أو الخبرة الفنية في مكافحة الجراد. ومن الأسباب الأخرى أن الجراد مازال يتكاثر في مناطق من الصعب الوصول إليها. ويضاف إلى هذه الأسباب، الافتقار إلى التمويل اللازم لمكافحة الجراد. فقد أعلنت «فاو» أنها تلقت 33 مليون دولار فقط من 138 مليون دولار تحتاجها للتصدي للأسراب قبل بدء موسم الحصاد في أبريل ومايو. وأعلن برنامج الغذاء العالمي أن تكلفة إطعام الذين دمرت أسراب الجراد مصادر غذائهم أكثر 15 مرة من تكلفة التصدي لأسراب الجراد الآن.
*مراسلة كريستيان ساينس مونيتور في أفريقيا مقيمة في جوهانسبيرج.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور