كورونا، وما أدراك ما كورونا؟ لا تحتاج الكثير من الوقت لتنتقل إليك نوبة من «الكورونا الإلكترونية»، مصحوبة بنوبة فكرية متلاطمة الأبعاد! هل هذا مرض، أو عَرَض أو عذاب إلهي على كثرة المعاصي والذنوب، أو عقاب الأم «الأرض» لجور الإنسان ومعاناتها مع التلوث والتصحر وغيرها، أو هو ثورة الطبيعة على من تجرأ بالوقوف فوقها؟
فهل إذا تناول مأكولات لا تقبلها الخلايا البشرية، ولا تتوقع استقبالها قد يؤدي إلى بروز «طفرة فيروسية»؟ «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».
وحين ينتظر الجميع إجابة «الدين» في المرتبة الأولى على النوازل، والقضايا الطارئة والتي لا تعني بأي وجه من الوجوه الوقوف حصراً تحت «أدينة» القضايا، وأمام المحاولات لتطويع التراث وانتزاع ما يناسب الحدث منه، برز وفاء العلماء، وحسهم العالي بالمسؤولية تجاه أبناء أمتهم، بصورة جلية وواضحة، مبتدئةً بقرار وزارة الخارجية السعودية، باعتبارها مقصداً مهماً ومركزياً للعابدين والتواقين لزيارة الحبيب المصطفى، وللطواف في أصقاع الكعبة الشريفة، وعاملاً رئيساً في وقف «محنة الكورونا المؤقتة»، وذلك بتعليقها المؤقت لدخول المملكة، كمساهمة واعية في الجهود الرامية لوقف انتشار العدوى، ولم يكن هذا القرار إلا أداء لشرع الله، لصون النسل البشري الذي وجد لإعمار الأرض، لا زيادة تحدياتها وعقباتها، وكان ذلك نتيجةً لقراءة متأنية للتوصيات العلمية الصادرة وفق المعايير العالمية، وبما يحقق المصلحة العامة للإنسانية جمعاء.
أما مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، برئاسة العلامة الشيخ عبد الله بن بيه، فقد خطى خطوة سباقة، في إيجاد رخصة فقهية في التخفيف من الشعائر التعبدية، التي تفرض تجمعاً واختلاطاً واسعاً، كالحج والعمرة، وصلاة الجمعة والعيدين إذا دعت الحاجة لذلك، مما دل على مسؤولية وكفاءة الإدارة الدينية، وحرصها البالغ على صون الأنفس، ورعايتها كما أوجب الله تعالى، كما دعا البابا فرنسيس إخوتنا المسيحيين لإقامة الصلوات، ورفع الدعوات توجهاً رحمانياً، لرفع البلاء عن العالم.
إن الذهنية الدينية قد لا تختلف من طائفة إلى أخرى، في تحليل الكوارث الطبيعية والوقوف عند أسبابها، إذ إنها دائماً تحاول أن تجد في خزانها الفكري أو تراثها الديني، ما يعزز مزاعمها ونظرياتها، هكذا أبدت بعض القيادات الدينية شعورها إزاء هذا الوباء، بأنها مخالفة لتعاليم السماء في علاقة الإنسان بالطبيعة ومقدراتها، ومن ذلك جاءت شروحات الحاخام اليهودي «جوشيا بنتو»، رئيس مؤسسات شوبا الإسرائيلية في أشدود والولايات المتحدة، حول هذا الوباء، مفسراً أن «كورونا» نتيجة لمخالفة الإنسان لتعاليم كتاب «حزقيال»، الذي تنبأ بقدوم هذا الوباء قبل انتشاره في الصين بأيام قليلة.
وقد علت «الإنسانية»، بموقف مشرف فوق حالة الهلع والتخويف في نشرها «عالمياً»، من بلد التسامح «الإمارات العربية المتحدة» بتشييدها مدينة الإمارات الإنسانية، التي فزع بها أبناء الإمارات بتوجيهات من قيادتها الرشيدة، لتجهيزها ورفدها بأعلى المعايير خلال 48 ساعة فقط، وفي ذلك قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة «حفظه الله»، في تغريدة له: «تابعت باهتمام إجلاء العالقين من رعايا الدول الشقيقة والصديقة من مقاطعة هوبي الصينية إلى الإمارات، سيحظون برعاية صحية شاملة، للتأكد من سلامتهم قبل عودتهم إلى بلدانهم، نشكر الحكومة الصينية على تعاونها، ونثمن جهود أبنائنا المتطوعين في هذه المهمة، إيماننا راسخ بوحدة المصير الإنساني».
وختاماً، لا بد من التأكيد على سنة المصطفى عليه صلوات ربي، بالالتزام بقراءة الأذكار والتحصين الشرعي، الذي حث عليه المصطفى، والتي ذكرت في عدة أدعية مأثورة عنه – صلى الله عليه وسلم – كاستعاذته بالله من: «مِنْ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئْ الْأَسْقَامِ»، ومع تزايد الأعداد المصابة بـ«كورونا»، لا بد أن نتطلع بوعي لمصاحبة ذلك بأعداد لا بأس بها من حالات الشفاء، وأملاً ورجاءً برحمة الله، نردد جميعنا: «تحصنت بذي العزة، واعتصمت برب الملكوت، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، اللهم اصرف عنا الوباء، بلطفك يا لطيف، إنك على كل شيء قدير»، أتم الله علينا وعليكم الصحة والعافية، وحفظ الله بلادنا وبلاد العالم من كل مرض وسقم، وجعل أهلها في حرزه وحفظه وتحت كنفه.