إذا كان الاستثمار في المستقبل والاستعداد الجيد له أهم ما يميز دولة الإمارات وتجربتها التنموية، التي تُترجم في رؤى واستراتيجيات بعيدة المدى لمختلف القطاعات الحيوية، كالتعليم والصحة والاقتصاد والطاقة والفضاء والعلوم المتقدمة والذكاء الاصطناعي والأمن الغذائي، فإن من الضروري وضع استراتيجية وطنية للإعلام للسنوات العشر المقبلة، تسير بالتوازي مع هذه القطاعات، وذلك من منطلق أن الإعلام يرتبط بهذه القطاعات الحيوية، بل أنه يُعد الركيزة الرئيسية في مسيرة التنمية والتطور التي تشهدها الإمارات على الصعد كافة.
إن وضع استراتيجية «لإعلامنا»2030 بات ضرورة وطنية، خاصة مع تزايد أهمية الإعلام وارتباطه بقضية الأمن الوطني الشامل، ولعل الجميع تابع الحملة الإعلامية المغرضة التي استهدفت الإمارات في الآونة الأخيرة، وحاولت التشكيك في مواقفها وثوابتها السياسية، والإساءة إلى سمعة رموزها ومنتجاتها الوطنية، وهذا يقتضي أن يمتلك الإعلام الوطني القدرة على المبادرة والتحرك الاستباقي للتصدي لهذه الحملات وكشف خيوطها وفضح الجهات التي تقف ورائها في الوقت ذاته، فإن تسارع وتيرة التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم من حولنا وما يرتبط بها من تحديات وتهديدات جعلت من الإعلام أهم أدوات التغيير بل وإدارة الصراعات والتحريض ضد النظم والحكومات، وهو متغير لم يعد بالإمكان تجاهله وغض النظر عنه، لأنه يرتبط بأمن واستقرار المجتمع، ولعل أحداث ما يسمى «الربيع العربي» وما أسفرت عنه من تداعيات مدمرة، كانت كاشفة بوضوح عن طبيعة الدور السلبي الذي يمكن للإعلام القيام به في هدم تماسك الدول وانهيارها. كما أن تصاعد الأزمات العالمية، من كوارث وزلازل وأوبئة وفيروسات عابرة للحدود، عززت من أهمية دور الإعلام، وجعلت منه أهم الأطراف الفاعلة في إدارة هذه النوعية من الأزمات، الأمر الذي يتطلب مزيداً من التركيز على «إعلام الأزمات» في المرحلة المقبلة، وجعله في صلب أي استراتيجية إعلامية.
إن أي استراتيجية وطنية للإعلام للسنوات العشر المقبلة ينبغي أن تأخذ في الاعتبار هذه المعطيات، وتحدد بوضوح موقع الإعلام الإماراتي ضمن خريطة الإعلام الإقليمي والدولي، بحيث تضع الأدوات والآليات التي تعزز من تنافسيته وتأثيره في مسارات الأحداث التي تشهدها المنطقة والعالم من ناحية، وتعمل على إسماع صوت الإمارات وترسيخ حضورها في الرأي العام الدولي، من ناحية ثانية. وهذا يتطلب التحرك في عدة مسارات، أولها الارتقاء بالمحتوى الإعلامي وتطويره، بحيث يكون أكثر تفاعلاً مع متطلبات المجتمع وإثراء الحوار حول أولوياته وكيفية العمل على تحقيقها، والحفاظ على الهوية الوطنية، والعمل على تحصين المجتمع من أية أفكار متطرفة أو شائعات تستهدف إثارة البلبلة ونشر الفوضى. وثانيها تعزيز الانفتاح على الخارج، لنقل رسالة الإعلام الإماراتي إلى آفاق أوسع، بحيث لا تقتصر فقط على النطاق المحلي أو العربي أو الإقليمي وإنما أيضاً الدولي، وبالشكل الذي يجسد مبادئ الإمارات ويبرز مبادراتها الرامية إلى ترسيخ أسس التعايش والتسامح والحوار والسلم والأمن. وثالثها تحقيق التكامل بين المؤسسات الإعلامية الوطنية، وتوحيد رسالتها الإعلامية، والاستثمار في بناء قاعدة من الكوادر الإعلامية المواطنة، التي تتولى مسئولية قيادة وتطوير الإعلام، بما يخدم مصلحة الدولة، ويرسخ من مكانتها وقوتها الناعمة في الخارج.
لقد قدم معالي الدكتور سلطان الجابر وزير دولة رئيس المجلس الوطني للإعلام في اللقاء الذي أجرته معه صحيفة «البيان» قبل أيام رؤية عميقة ومتكاملة لطبيعة الدور الذي يفترض أن يقوم به الإعلام الوطني، وكيفية الارتقاء بمحتوى الرسالة الإعلامية لتعبر عن إنجازات الإمارات وقوتها الناعمة، وبما يواكب أهداف رؤية الإمارات 2021 ومئوية 2071، وهي رؤية يمكن أن تشكل الأساس في بناء استراتيجية لإعلامنا الوطني 2030، يكون فيها الإعلام ضمن أهم مرتكزات التنمية الشاملة والمستدامة في الداخل، وأهم أدوات الحفاظ على المصالح الوطنية الإماراتية العليا في الخارج.
*إعلامي وكاتب إماراتي